ينفذ "جيش الإسلام"، أحد فصائل المعارضة السورية المسلحة، عملية عسكرية واسعة ضد قوات النظام السوري والمليشيات الأجنبية الموالية لها في الغوطة الشرقية، في وقت شدد فيه النظام من حصاره للمنطقة، ما تسبب في تفاقم معاناة المدنيين في المنطقة من جراء ارتفاع كبير في أسعار مجمل المواد الغذائية.
وأعلن "جيش الإسلام" في حسابه على موقع "توتير"، أن الهدف من العملية العسكرية الجديدة هو استعادة السيطرة على جميع المواقع التي تقدم إليها النظام السوري في الآونة الأخيرة. وأضاف أن اشتباكات عنيفة تدور مع قوات النظام في محيط بلدة حوش الضواهرة شرق العاصمة السورية، وسط قصف صاروخي مكثف من المعارضة على مواقع النظام في المنطقة. وأكد "جيش الإسلام" أن مقاتليه تمكنوا من السيطرة على معمل الألبان وكتلة الأبنية المحيطة به على جبهة حوش الضواهرة، إضافة إلى تدمير دبابة لقوات النظام. وتقع حوش الظواهرة قرب بلدة الشيفونية، وتعتبر امتداداً لمنطقة حوش نصري التي سيطرت عليها قوات النظام العام الماضي، إلى الجنوب الشرقي من مدينة دوما.
ونجحت قوات النظام العام الماضي في فرض سيطرتها على قطاعات واسعة من الغوطة الشرقية، خصوصاً الجنوبي منها، مع مواصلة سعيها لتضييق الخناق على الأهالي والمعارضة في المنطقة.
وتتزامن المعارك في الغوطة مع عمليات عسكرية ومحاولات اقتحام لقوات النظام في شرق دمشق، تحديداً من جهة حيي القابون وبرزة، والتي يحاول النظام فصلهما عن بعضهما بعضاً، ومحاولة الاستفراد بكل منهما على حدة.
تحذير من جريمة كيميائية
وفي غضون ذلك، حذر مجلس محافظة ريف دمشق من أن نظام بشار الأسد يمهد لارتكاب جريمة كيميائية جديدة في الغوطة الشرقية بحملة إعلامية موسعة في الداخل والخارج. وأشار المجلس في رسالة وجهها إلى الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس، ورئاسة مجلس الأمن الدولي، إلى رسالة مندوب النظام لدى المنظمة الدولية، بشار الجعفري، أخيراً، والتي ذكر فيها أن هناك من يحضر لاستخدام مواد كيميائية في الغوطة الشرقية. وقال مجلس المحافظة أن نظام الأسد هو من يقوم باستخدام الأسلحة الكيميائية في سورية. وأضاف أن أهالي الغوطة متخوفون من تكرار الهجوم الكيميائي على الغوطة الشرقية الذي ارتكبه النظام عام 2013 وذلك بعد أسبوعين من استخدامه السلاح الكيميائي في خان شيخون بإدلب.
وتتفاقم معاناة الأهالي في الغوطة جراء تشديد قوات النظام الحصار الذي تفرضه على الغوطة الشرقية منذ أكثر من أربع سنوات. ويقول الأهالي إن أسعار المواد الأساسية تضاعفت مرات عدة في الأيام الأخيرة بعد إقدام قوات النظام على إغلاق مزيد من الأنفاق التي كانت تورد بعض المواد الغذائية إلى الغوطة. وأكد عضو المكتب الإعلامي في حزب "الجمهورية" وابن الغوطة الشرقية، إبراهيم الفوال، في حديث لـ"العربي الجديد"، أن منطقة الغوطة الشرقية تعيش فترة حصار منذ أربع سنوات، بدأ في نهاية سنة 2013، مترافقاً مع إغلاق جميع المعابر والطرق التي تصل المنطقة بما حولها، إلا أن قوات النظام بدأت منذ 38 يوماً بإطباق الحصار على مدن وبلدات الغوطة الشرقية بشكل تام، بحسب قوله. وتابع أن هذا الأمر يتم من خلال إغلاق جميع الأنفاق الواصلة بين منطقة الغوطة الشرقية وأحياء شرقي دمشق والتي كانت تعتبر ممراً مهماً، وإغلاق معبر مخيم الوافدين ومنع دخول وخروج المواطنين بشكل نهائي، ومن خلال السيطرة على مساحات واسعة من منطقة المرج، والتي تعتبر السلة الغذائية للغوطة الشرقية لما تحتويه من أراض زراعية، بحسب ما ذكر الفوال. وبيّن أن الوضع اليوم في الغوطة الشرقية ينذر بحصول كارثة إنسانية، وسيناريو مشابه لما حدث بمدينة حلب، إذ يعيش في الغوطة الشرقية نحو 350 ألف نسمة، وهم محرومون من أبسط مقومات الحياة ويتعرضون يومياً لقصف ممنهج.
وأوضح الفوال أن النظام عمل في الفترة الأخيرة على تنفيذ عملية ممنهجة لتدمير الاقتصاد المحلي في المنطقة، وذلك من خلال المساهمة برفع أسعار المواد الغذائية والتموينية بشكل كبير، لتصل في بعض الحالات لعشرين ضعفاً عن سعرها الطبيعي، والمساهمة برفع أجور تحويل المبالغ المالية لداخل الغوطة الشرقية، إذ وصلت لنسبة 20 في المائة من قيمة المبلغ المحول، بالإضافة إلى نفاد معظم المستلزمات الطبية من المشافي من لقاحات الأطفال وغيرها من الحاجات، وفق تأكيده.
وطالب عضو المكتب الإعلامي لحزب "الجمهورية" جميع الهيئات الدولية بالعمل بشكل فوري لفتح ممرات إنسانية وإدخال كل ما يلزم لاستمرار الحياة في هذه المنطقة، لكي لا نرى نموذجاً مشابهاً لما حصل في مدن أخرى كحلب والزبداني ومضايا. وكانت قوات النظام سيطرت الاثنين الماضي على نفق تابع للمعارضة يربط بين الغوطة الشرقية وحي القابون في ضواحي دمشق. ونشرت حسابات تابعة لـ"الفرقة الرابعة" في قوات النظام، صوراً قالت إنها لنفق "الرحمة" الواصل بين القابون والغوطة الشرقية.
وتتعرض الأحياء الشرقية للعاصمة، القابون وبرزة، لهجمات مستمرة من قبل قوات النظام التي تسعى لـ"تأمين" العاصمة بشكل نهائي، وفصل هذه الأحياء عن الغوطة الشرقية، بالسيطرة على الأنفاق والمعابر الحيوية الواصلة إليها، تمهيداً لتسويات وتهجير مشابه لما حصل في بلدات الغوطة الغربية.
تداعيات الحصار
وقال الناشط الإعلامي، أبو وسام الغوطاني، لـ"العربي الجديد" إن تشديد الحصار بدأ قبل شهرين تقريباً حين أوقف النظام عملية إدخال بعض السلع إلى الغوطة التي كانت تتم من مخيم الوافدين عبر تاجر يدعى المنفوش. وأضاف أن النظام أتبع ذلك بالسيطرة على ما تبقى من أنفاق قليلة كانت تمر عبرها بعض السلع وآخرها نفق الرحمة، إذ باتت قوات النظام تسيطر على معظم الأنفاق بين الغوطة والقابون من جهة، وبين القابون وبرزة من جهة أخرى، وذلك منذ بداية الحملة العسكرية على هذه المنطقة في فبراير/شباط الماضي، وفق تأكيد المتحدث.
وأضاف الغوطاني أنه مع هذه التطورات ارتفعت الأسعار في الغوطة بشكل جنوني، إذ وصل سعر ربطة الخبز إلى دولارين أميركيين وكيلوغرام السكر إلى 8 دولارات وكيلوغرام الأرز بات سعره يبلغ 4 دولارات، وفق قوله. ورأى أن النظام يسعى كما يبدو من خلال تشديد الحصار، إلى الضغط على مقاتلي المعارضة والأهالي من أجل القبول بهدنة أو مصالحة على غرار ما حصل في مناطق أخرى بريف دمشق، فضلاً عن كونها وسيلة للضغط ارتباطاً بالمعارك الأخيرة في دمشق والغوطة.
وركزت قوات النظام في حملاتها العسكرية على قضم أكبر ما يمكنها من الأراضي الزراعية بين مدينة حرستا وحي برزة والمناطق الواقعة بين برزة والقابون، والأنفاق بين كلا الجانبين، بغية تضييق الخناق على الغوطة، باعتبارها آخر ما بقي تقريباً من مواقع المعارضة الهامة في محيط دمشق. وتحدث الغوطاني عن معاناة سكان الغوطة، البالغ عددهم حالياً أكثر من 350 ألف نسمة، من ارتفاع العمولات على التحويلات المالية من الخارج، ما يعني انخفاض قيمة الدولار والعملات الأخرى التي يتم تحويلها من أقارب أهالي الغوطة في الخارج عن طريق بعض التجار الذين زادوا نسبة عمولتهم أربع مرات خلال الشهرين الماضيين، على حد تأكيد الغوطاني.
وحسب المنتدى الاقتصادي السوري، تقدر المساحة المزروعة من أراضي الغوطة بـ110 كيلومترات مربعة من مساحة إجمالية للغوطة الواقعة تحت سيطرة المعارضة والبالغة نحو 185 كيلومتراً مربعاً. لكن هذه المساحة تقلصت بعد سيطرة قوات النظام على مساحات واسعة من أراضي الغوطة خلال العامين الماضيين، ولا سيما بعد سيطرته على القطاع الجنوبي وبعض المناطق الزراعية شرقي الغوطة الشرقية. ويواجه الفلاحون في الغوطة صعوبات جمة في زراعة أراضيهم نتيجة عدم توفر المحروقات اللازمة لضخ المياه أو ارتفاع أسعارها بشكل كبير جداً.
وكانت قوات المعارضة قد نجحت أواخر عام 2012 في السيطرة على مدينة دوما، كبرى مدن الغوطة الشرقية في ريف دمشق، ثم وسعت سيطرتها مع مطلع 2013 لتمتد إلى باقي مدن وبلدات الغوطة، فلجأ نظام الأسد إلى سياسة العقاب الجماعي لهذه المناطق، حيث منع دخول المواد الغذائية إلى جميع مناطق الغوطة إضافة إلى الأدوية مع قطع الكهرباء بشكل تام، فضلاً عن المياه والاتصالات والمحروقات، وهو ما دفع الأهالي خلال سنوات الحصار المديدة إلى محاولة "اختراع" بدائل لكل الممنوعات للبقاء على قيد الحياة.
وفي ظل الحصار، تراجعت فرص العمل، وبالتالي قلّ المال في أيدي الناس على الرغم من استمرار بعض الموظفين في الدولة في مزاولة أعمالهم في العاصمة دمشق بعد تزويدهم بـ"بطاقة موظف" من أجل السماح لهم بالمرور عبر حواجز النظام. لكن الأمر يتعلق بعملية محفوفة بالمخاطر، إذ اعتقل العديد منهم على الحواجز بتهم مختلفة، فضلاً عن تكاليف التنقل المرتفعة، مما يجعل نسبة كبيرة من رواتبهم تضيع كأجور للتنقل، علماً بأنه لا يسمح لهم باصطحاب أية مواد غذائية خلال عودتهم إلى الغوطة. وقد دفع ذلك العديد من الموظفين للخروج نهائياً من الغوطة، وترك عائلاتهم داخلها، لتلتحق بهم لاحقاً. وخلال السنوات الماضية، استفاد أهالي الغوطة من حاجة النظام لبعض منتجات مناطقهم، خاصة الفاكهة والخضار. وقام بعض التجار والسماسرة بتأمين مقايضات مع النظام لتزويد العاصمة دمشق ببعض المنتجات الزراعية مقابل تزويد الغوطة بكميات من السكر والطحين والوقود. ومن أشهر التجار الذين يسهلون عمليات التبادل هذه، محي الدين المنفوش (أبو أيمن)، والذي كان يقوم بدور كبير بالتعاون مع قوات النظام في إدخال بعض المواد الغذائية والوقود إلى الغوطة الشرقية، مقابل تصدير منتجات زراعية من الغوطة إلى دمشق.
يضاف إلى ذلك، حفر الأهالي تحت إشراف الفصائل المسلحة، العديد من الأنفاق التي يتم من خلالها تهريب مواد غذائية وأشخاص من وإلى دمشق، لكن أغلبها كان معروفاً لدى النظام، ويشرف على حركتها أشخاص لهم صلات مع النظام مقابل عمولات يتقاسمونها مع ضباط قوات النظام.