ويشير التقرير إلى أن الأمم المتحدة سجلت ارتفاعاً ورقماً قياسياً في عدد الانتهاكات الخطيرة التي لحقت بالأطفال من قبل دول أو كيانات مسلحة في مناطق الصراعات، منذ بدء صدوره قبل أكثر من 10 سنوات. ووصل عدد الانتهاكات الخطيرة خلال عام 2018 وهي الفترة التي يشملها التقرير في 20 دولة، إلى أكثر من 24 ألف انتهاك جسيم. ومن بين الدول التي يتناولها التقرير أفغانستان والعراق وسورية واليمن وفلسطين المحتلة ولبنان والصومال والسودان وجنوب السودان وجمهورية أفريقيا الوسطى وكولومبيا. وتشمل الانتهاكات، التي ترتكب خلال الصراعات المسلحة ضد الأطفال، القتل والتشويه والإصابة والاغتصاب والتحرش الجنسي والتجنيد والخطف واستهداف المدارس والمستشفيات.
وتتصدر أفغانستان القائمة، إذ تم التحقق من قتل 927 طفلاً وإصابة 2135 طفلاً، بسبب الضربات الجوية والقتال على الأرض واستهداف المدارس خلال فترات الانتخابات، حيث تكون مراكز الاقتراع فيها وغيرها من الانتهاكات. وفي سورية سجل التقرير أكثر من ثلاثة آلاف انتهاك خطير ضد الأطفال. وسجلت الأمم المتحدة مقتل 1106 أطفال وتشويه 748 طفلاً. ويحمل التقرير المسؤولية عن العدد الأكبر من حالات القتل وإصابة الأطفال لقوات النظام السوري أو الموالية لها، لكنه لا يستثني عناصر وقوات في المعارضة من ارتكاب انتهاكات كذلك، والمسؤولية عن قتل وإصابة الأطفال، بالإضافة إلى انتهاكات ارتكبت على يد عناصر تنظيم "داعش".
وفي اليمن، يرصد التقرير مقتل 576 طفلاً، فيما أصيب 1113. ويعزو التقرير وقوع العدد الأكبر من الضحايا بين الأطفال نتيجة القتال البري بـ755، تليه الغارات الجوية بـ685، والذخائر غير المنفجرة بـ223. ونسب ما مجموعه 43 في المائة من الخسائر ضمن الأطفال للتحالف (729)، من بينهم 684 قتلوا أو أصيبوا بسبب الغارات الجوية و45 بسبب القتال البري. أما عدد الأطفال اليمنيين الذين قتلوا أو أصيبوا على يد الحوثيين فيصل إلى 398، والقوات الحكومية اليمنية 58، و"المقاومة الشعبية" 48 طفلاً. ويشير التقرير إلى توثيق تسع حالات اعتداء جنسي على أطفال يمنيين تراوحت أعمارهم بين 9 و17 سنة. وكما في باقي الدول، فإن استهداف المدارس والمستشفيات ومنع وصول المساعدات الإنسانية جزء من الأساليب التي تستخدمها جميع أطراف النزاع في اليمن، وفي مناطق الصراعات الأخرى التي يشملها التقرير.
وفي ما يخص فلسطين، وثق التقرير إصابة 2756 طفلاً فلسطينياً ومقتل 59 على يد قوات الاحتلال والمستوطنين. ويشير التقرير إلى جرح ستة أطفال إسرائيليين نتيجة للصواريخ التي يتم إطلاقها من قطاع غزة. كما يشير إلى سجن مئات الأطفال الفلسطينيين من دون محاكمة أو في انتظار محاكمتهم. كما يتحدث عن محاولات إسرائيل تجنيد عدد منهم للتجسس، وهو ما يخالف القانون الدولي. ويسجل التقرير قتل قوات الاحتلال 30 طفلاً فلسطينياً بالرصاص الحي، مشيراً إلى أن أغلب الإصابات كانت في الجزء الأعلى من الجسد ضد أطفال في قطاع غزة خلال مسيرات العودة، من دون أن يشكل أي منهم خطراً على أمن أو سلامة جنود الاحتلال. وفي ما يخص ليبيا، أشار التقرير إلى مقتل 30 طفلاً وإصابة 44 من دون أن يحدد الطرف المسؤول عن ذلك، موضحاً أنه لا يمكن في الوقت الحالي إجراء تحقيق مستقل في ما يحدث بسبب الوضع الأمني في ليبيا.
وأحد الأهداف من وراء إطلاق التقرير وآلية المراقبة، هو حثّ الدول على اتخاذ التدابير اللازمة لمنع وقوع ضحايا من المدنيين، وخصوصاً الأطفال، بالإضافة إلى إمكانية محاسبة الأطراف المسؤولة عن وقوع ضحايا أطفال مستقبلاً، على الرغم من أنه لا يوجد أي تبعات قانونية للتقرير. وشكل صدور التقرير ضغطاً جدّياً على الدول المتورطة في النزاعات، حتى تتجنب أن يكون اسمها على ما بات يعرف إعلامياً بـ"قائمة العار"، وهي الملحق أو القائمة بآخر التقرير التي يتم وضع اسم الدول التي ارتكبت خروقات فظيعة عليها. ولعل أشهر حدثين في هذا السياق، كانا عندما سحب الأمين العام السابق بان كي مون اسم إسرائيل من القائمة بعد ضغط أميركي وإسرائيلي شديد عليه، بعد حربها الأخيرة على غزة عام 2014. أما الثانية فكانت في 2016، حين أعلن بان كي مون أمام الكاميرات أنه سحب اسم التحالف بقيادة السعودية من القائمة حتى إشعار آخر، إلى أن يتم النظر في الالتماس الذي قدمته الرياض ودول التحالف. لكن "الالتماس" لم يكن أكثر من حجة، لأن الدول التي يرد اسمها بالتقرير تكون على اطلاع مسبق به وتقدم التماسها وحججها مسبقاً وتأخذها الأمم المتحدة بالاعتبار قبل تحويل التقرير رسمياً إلى مجلس الأمن. وقال بان كي مون في حينه وبشكل واضح، أنه تعرض لضغوط شديدة وتهديد بسحب التبرعات لمنظمات الأمم المتحدة الإنسانية إن لم يقدم على تلك الخطوة. ورافق التقرير في تلك الحالتين تغطية واهتمام إعلامي، قبل أن يقرر غوتيريس تغيير قواعد اللعبة، ووضع لائحتين. وفي التقسيم الجديد تضم اللائحة الأولى أسماء الدول والكيانات التي لم تتعاون وتتخذ خطوات لمنع حدوث انتهاكات ضد الأطفال. وقائمة هذا العام لم تشمل أي دولة، باستثناء النظام السوري، في حين احتوت فقط على كيانات من غير الدول. أما اللائحة الثانية فتشمل الدول والكيانات التي تتعاون وتتخذ خطوات للحيلولة دون حدوث انتهاكات ضد الأطفال خلال النزاعات. لكن لا يوجد آلية مراقبة جدية ومستمرة من قبل الأمم المتحدة للتأكد من ذلك.
والأهم أن الحقائق على الأرض، التي أشار لها تقرير الأمم المتحدة، تظهر ارتفاعاً في نسبة الانتهاكات ضد الأطفال من قبل الدول. وهو ما يقره تقرير غوتيريس الأخير، حين ورد فيه أن "ارتفاعاً في انتهاكات حقوق الأطفال الذي يشهده العالم يحدث بسبب الدول لا الجماعات المسلحة"، حيث بقيت انتهاكات الجماعات المسلحة بنفس النسبة، من دون أن يعني هذا استهانة بخطورتها وبشاعتها. وأعطى الأمين العام منفذاً للدول التي تقوم بانتهاكات خطيرة، للقول إنها "تتعاون وتعمل كل ما بوسعها لمنع قتل أطفال، والدليل أنها على لائحة الدول المتعاونة". أما إسرائيل، المسؤولة عن جرح وقتل أكثر من 2700 طفل فلسطيني خلال العام الماضي لوحده، كما يذكر التقرير، فإن اسمها غائب تماماً عن القائمتين، وكأن الأرقام العالية من الضحايا الفلسطينيين مجرد أرقام لا يوجد بشر خلفها. وإذا استمر الأمين العام بالخضوع للدول النافذة، فإنه يأخذ الأمم المتحدة نحو طريق أكثر وعورة، ويخسرها مصداقيتها الأخلاقية؛ رأسمالها، التي هي أصلاً على المحكّ.