يعود الحديث في العراق عن حراك لتعديل قانون الانتخابات، في مسعى يتبناه ائتلاف "دولة القانون" الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي. ويأتي هذا الحراك المستجد لتعديل قانون الانتخابات العراقي انسجاماً مع الرغبات السياسية للائتلاف بإقصاء الخصوم الأقوياء عن الفوز في الانتخابات البرلمانية المفترض إجراؤها في أكتوبر/تشرين الأول 2025، وسط مخاوف من تحقيق رئيس الوزراء الحالي محمد شيّاع السوداني نتائج تؤهله للحصول على ولاية جديدة. إذا تحقق التعديل فسيكون الرابع من نوعه الذي يخضع له قانون الانتخابات العراقي منذ عام 2006، وسط اتهامات بأنه يُصاغ في كل مرة وفقاً لتوجهات ومصالح الأحزاب والقوى الفاعلة، وبما يضمن خريطة توزيع طائفي وحزبي للدوائر الانتخابية.
محمد الخالدي: الطرح تسبب بانقسام إلى فريقين تجاهه داخل قوى الإطار التنسيقي وضمن القوى الأخرى
عودة الحديث عن قانون الانتخابات العراقي جاءت إثر حسم ملف رئاسة البرلمان العراقي وانتخاب محمود المشهداني المقرب من قوى في "الإطار التنسيقي"، ومن ثم تمديد الفصل التشريعي للبرلمان لمدة شهر واحد، كفرصة لتمرير القوانين الجدلية، ومن بينها التعديلات على قانون الانتخابات.
لا توافق على التعديل
وتباينت تصريحات ائتلاف "دولة القانون" بشأن الحراك الأخير للتعديل، وأكد النائب عن الائتلاف محمد الشمري، في تصريح متلفز، أن "قضية تعديل القانون مطروحة للنقاش حالياً داخل الائتلاف"، مبيناً أن "الانتخابات في العراق جرت بقوانين جرى تعديلها مرات عدّة"، في إشارة إلى الاتجاه لتكرار التعديل وضمن السياق نفسه عبر البرلمان. وأكد أن ما يُطرح اليوم من تعديل هو النظام المختلط عبر دوائر انتخابية متعددة، وفي الوقت نفسه، الإبقاء على آلية احتساب الأصوات المعروفة بـ"سانت ليغو"، وهو ما يعني التخلي عن مطالب المدنيين والقوى الناشئة بأن تكون الانتخابات وفقاً لمبدأ أن الفائز هو من يحصل على أعلى عدد أصوات من الناخبين، ولا علاقة لحزبه أو قائمته الانتخابية به.
المتحدث باسم "دولة القانون" النائب عقيل الفتلاوي لم ينكر رغبة ائتلافه بتعديل القانون، إلا أنه أكد أن "الكتل الشيعية لم تتفق جميعها نحو الذهاب إلى التعديل"، مشيراً في تصريح متلفز إلى أن ائتلافه يريد التعديل على قانون الانتخابات العراقي "ليكون قانوناً يمنع استغلال المال والسلطة في التأثير على الناخبين، وأن يشمل أكبر تمثيل للشعب، وأن يكون غير طارد للمرشحين والناخبين، وأن تغيير القانون هو توجه مشروع بحد ذاته". وأضاف: "نسعى لقانون يمنع استغلال السلطة والمال كما حدث في الانتخابات الأخيرة (2023) حيث حصل الكثير من أعضاء مجالس المحافظات على مقاعد عبر توزيع بطاقات (كي كارد) على الناخبين"، مشدداً على "أهمية إضافة فقرة تنص على استقالة المسؤولين التنفيذيين من مناصبهم قبل ستة أشهر من إجراء الانتخابات".
علي المشهداني: وفق التعديل المقترح، سيستفيد المرشح من الأصوات التي تؤهله للمقعد لكن ما يتبقّى من أصواته تهدر
مقابل ذلك، رأى النائب محمد الخالدي صعوبة تمرير التعديل على القانون، وقال لـ"العربي الجديد" إن "تعديل قانون الانتخابات العراقي وانتخاب مفوضية جديدة أمر طبيعي جداً، لكن ما يُطرح اليوم من تعديلات فُسّرت بأنها استهداف سياسي لبعض الشخصيات المهمة، ومنها رئيس الوزراء محمد شيّاع السوداني، ومحاولة تحجيم فرصته في الفوز بالانتخابات". وأكد الخالدي أن "الطرح تسبب في انقسام إلى فريقين تجاهه داخل قوى الإطار التنسيقي وضمن القوى الأخرى ومنها القوى السنّية، وأن الفريق الأكبر هو الرافض للتعديل، فضلاً عن وجود نواب التزموا الصمت ولم يكشفوا عن توجههم"، مبيناً أن "بعض الفقرات المطروحة في التعديل، ومنها محاولة تضمينه فقرة استقالة المسؤولين في الحكومة قبل الانتخابات، هو أمر مخالف للدستور ولا يمكن تمريره".
وشدّد النائب على أنه "في حال أردنا أن نمنع استغلال المال العام في الانتخابات، فعلينا أن نمرّر القوانين التي تمنع ذلك، ومنها قانون الأحزاب الذي يجب أن يُفعّل وقانون من أين لك هذا، وهي قوانين كفيلة بمنع استغلال موارد الدولة"، معتبراً أن "إرادة استقالة رئيس الوزراء والمسؤولين في حكومته قبل الانتخابات أمر غير ممكن".
تعديلات قانون الانتخابات العراقي
ومنذ الغزو الأميركي للعراق (2003)، عرفت البلاد ثلاثة قوانين انتخابية، خضعت اثنتان من نسخها لتغييرات جذرية، مع استحداث فقرات أو إضافة عليها في النسخة الثالثة. وفي حال الذهاب إلى تعديل القانون الحالي، فستكون هذه الخطوة الرابعة من نوعها، والتي عادة ما تحصل بناءً على توافق سياسي يكون في الغالب للقوى الرئيسة الدور الأكبر فيها بحثاً عن مكاسب سياسية أو مساعٍ للإبقاء على أوزانها الانتخابية.
من جهته، أكد الأكاديمي العراقي المختص بالشأن السياسي علي المشهداني أن المقترح سيؤثر على رئيس الوزراء (السوداني). وقال لـ"العربي الجديد" إن "المقترح هو اتباع النظام المختلط، أي يجرى حسم جزء من المقاعد بنظام الأغلبية وجزء آخر بنظام التمثيل النسبي سانت ليغو، أي يريدون 20% من المقاعد لتذهب إلى من يحصلون على أعلى الأصوات، أي أن في المحافظة التي تضم مثلا 60 مقعداً برلمانياً تذهب 12 منها لمن يحصل على أعلى الأصوات، أي لكبار القيادات والشخصيات". وأضاف: "يعني ذلك أن أصوات الشخصيات الكبيرة، كرئيس الوزراء والوزراء، لا تستفيد منها كتلهم، أي أن المرشح الذي يحصل على 500 صوت مثلاً، سواء كان رئيس وزراء أو وزيراً أو غيره سابقاً، كان يحصل على الأصوات التي تؤهله ليكون نائباً وبقية أصواته تذهب إلى كتلته".
ولفت إلى أنه "اليوم، وفق التعديل المقترح، سيستفيد المرشح من الأصوات التي تؤهله للمقعد لكن ما يتبقّى من أصواته تهدر ولا تستفيد منها كتلته"، مؤكداً أن "المتضرر الأكبر من ذلك سيكون السوداني الذي اتسعت شعبيته أخيراً، لأن كتلته لا تستفيد من أصواته". وتابع: "كما ستضطر الدوائر التي فيها كبار الشخصيات، منها دوائر البصرة وواسط وغيرها، ألا يترشح فيها المرشحون الصغار ومن تكون حظوظهم متوسطة وقليلة، لأنهم لن يكونوا قادرين على المنافسة". وأضاف: "المرشح إما يكون مرشحاً قوياً، يصعد ضمن الـ20%، أو يذهب إلى كتلة قوية تنافس على الـ80%".
الدعوة إلى تعديل قانون الانتخابات العراقي ليست جديدة، وهي منحصرة ضمن ائتلاف المالكي، الذي سبق أن دعا في منتصف يونيو/حزيران الماضي إلى إجراء انتخابات بحلول نهاية العام الحالي، مؤكدا أن حكومة السوداني ملزمة بذلك ضمن برنامجها الانتخابي، ومشدداً على ضرورة منع المسؤولين الحكوميين من المشاركة فيها إلا في حال استقالتهم من مناصبهم، إلا أن الدعوة قوبلت برفض من داخل قوى "الإطار التنسيقي" الأخرى.
وشهد العراق بعد سنة 2003 خمس انتخابات تشريعية، أولها في عام 2005 (قبلها أجريت انتخابات الجمعية الوطنية التي دام عملها أقل من عام)، وآخرها في أكتوبر 2021، حيث اعتمدت كل الدورات الانتخابية قانون الدائرة الواحدة لكل محافظة، وفق آلية "سانت ليغو" باختلاف فارق القاسم الانتخابي للأصوات بين 1.7 و1.9، وهي طريقة حساب رياضية تتبع في توزيع أصوات الناخبين، تجعل حظوظ الكيانات السياسية الكبيرة تتصاعد على حساب المرشحين الأفراد والكيانات الناشئة والصغيرة، وهو ما يدفع تلك الكيانات إلى السعي للتجمع وتشكيل تحالفات كبيرة تضمن الفوز. إلا أن الانتخابات البرلمانية المبكرة في 2021 أُجريت وفق الدوائر المتعددة، بعد ضغط كبير من الشارع والتيار الصدري (بزعامة مقتدى الصدر) لهذا التعديل، الذي كان يعارضه "الإطار التنسيقي". وفي مارس/آذار 2023، صوّت البرلمان العراقي على قانون التعديل الثالث لقانون الانتخابات، الذي أعاد اعتماد نظام الدائرة الواحدة لكل محافظة، مع صيغة "سانت ليغو" النسبية (بفارق 1.7).