غضبة المستهلكين... نجاح المقاطعة في المغرب والجزائر وتعثّر في تونس

05 فبراير 2019
"سنترال دانون" قاطعها مستهلكون في وقت سابق (فرانس برس)
+ الخط -
في الوقت الذي حققت فيه حملات المقاطعة في المغرب والجزائر  نجاحاً ملحوظاً، لم تلق المقاطعة نفس الدرجة من الحماس والاستجابة في تونس. 

وشهدت تجربة المغرب النجاح الأكبر من بين الدول العربية، إذ فوجئت الأوساط السياسية والاقتصادية بقوة حملات المقاطعة، ما دفعها إلى السعي لامتصاص غضبة المستهلكين من ارتفاع الأسعار رغم مستوى التضخم الرسمي المنخفض في المغرب.

واستهدفت المقاطعة، بشكل خاص، شركات "سنترال دانون" و"أولماس" و"أفريقيا"، الرائدة في إنتاج الحليب والمياه المعدنية والوقود، حيث تواصلت الدعوات التي انطلقت في إبريل/نيسان الماضي، رغم الدعوات إلى وقفها التي عبّر عنها وزراء وفاعلون اقتصاديون.

تجربة المغرب

استنفرت المقاطعة المتصاعدة الحكومة المغربية التي سعت إلى تطويق الأزمة، عبر التشديد على الحفاظ على القدرة الشرائية للأسر، خاصة أن ذلك تزامن مع صدور تقرير من البرلمان، حول المنافسة في سوق المحروقات، والذي خلص إلى تحقيق شركات توزيع الوقود أرباحا تصل إلى 1.7 مليار دولار، منذ تحرير سوق السولار والبنزين.

وتسبب انضمام وزير الشؤون العامة والحكامة، لحسن الداودي، إلى وقفة احتجاجية نظمها عمال في شركة "دانون" تنديدا بالمقاطعة أمام البرلمان، في تقديم استقالته، التي لم تقبل. بينما وجد وزير الاقتصاد والمالية السابق، محمد بوسعيد، في مرمى سهام المنتقدين، بعدما وصف المقاطعين بـ"المداويخ" أي الدراويش.

وتعهّد رئيس الحكومة، سعد الدين العثماني، في سياق النقاش حول المقاطعة، باتخاذ تدابير من أجل تخفيف الضغط عن الأسر، بينما وجهت انتقادات للوسطاء، الذي يرى العديدون أنهم يتسببون في غلاء الأسعار.

وقد تضررت الشركات المستهدفة بالمقاطعة، حيث أعلنت شركة "سنترال دانون"، عن خسارة ما بين 25 و30 في المائة من رقم المعاملات في العام الحالي، ما كبّدها خسارة وصلت إلى 50 مليون دولار، بعد أرباح في حدود 12 مليون دولار في عام 2017.

وكانت الشركة المدرجة في بورصة الدار البيضاء سعت إلى محاصرة الخسائر التي نجمت عن المقاطعة، حيث أعلنت، منذ الصيف الماضي، عن التخلي عن أرباحها، مع الحفاظ على تلك التي يحققها الباعة ومربو الأبقار، مع السعي إلى خفض سعر الحليب الذي كان هدفا للمقاطعة.

وإذا كانت شركة الوقود "أفريقيا"، لم تكشف عن حجم تأثير المقاطعة على نشاطها، فإن شركة "أولماس" المدرجة في البورصة أعلنت، منذ الصيف، عن تكبّدها خسائر من جراء المقاطعة التي استهدفت مياه "سيدي علي" المعدنية التي تنتجها.

وساهمت المقاطعة في إعادة بعث مجلس المنافسة، الذي ظل مجمدا لمدة أربعة أعوام، حيث اعتبر رئيسه السابق، عبد العالي بنعمور، أنه لو كان يشتغل لما حدثت المقاطعة، حيث كان سيتدخل من أجل رصد وضعية المنافسة في أسواق المنتجات المستهدفة بالمقاطعة.

ويذهب الخبير الاقتصادي محمد الشيكر، في حديثه لـ"العربي الجديد"، إلى أن حركة المقاطعة في المغرب كشفت عن طرق جديدة للاحتجاج، يمكن أن تتشكل خارج الأطر الكلاسيكية.

مشيرا إلى أن المقاطعة وحركة السترات الصفراء في فرنسا وقبلهما احتجاجات الربيع العربي، أكدت أن الحكومات أضحت تتعاطى مع طرق جديدة للاحتجاجات بدون قيادة أو ناطقين رسميين.

ويتصور بوعزة الخراطي، رئيس الجامعة المغربية لحقوق المستهلك، أن قانون حرية الأسعار والمنافسة يمنع التدخل من أجل تحديد أرباح الشركات، لكنه يرى أنها يمكنها العمل على تفعيل آليات المراقبة التي تمنع الاتفاقات بين المنتجين والموردين والاحتكار. ويرى أن المقاطعة ساهمت في بروز المستهلك كفاعل حاسم في السوق.

سلاح الجزائريين

في الجزائر، تصاعدت، مؤخرا، حملات مقاطعة شراء العديد من المنتجات، وجاءت هذه الحملات كرد فعل من الشارع على القفزات الكبيرة التي شهدتها الأسعار، خاصة بعد تراجع قيمة الدينار، بالإضافة إلى تجميد الاستيراد طيلة سنة 2018، ما أثّر على كفتي ميزان العرض والطلب، وكانت لحملات المقاطعة نتائج ايجابية جعلت الجزائريين يتبنّون "المقاطعة" كشكل من أشكال الضغط على الحكومة والتجار على السواء.

كان سوق السيارات مسرحا لأكبر عملية مقاطعة تشهدها الجزائر في السنوات الأخيرة، حيث جاءت حملة المقاطعة عقب زلزال "التلاعب بالأسعار" من طرف متعاملي السيارات في الجزائر، بعد كشف الحكومة عن الأسعار الحقيقية للسيارات المُعلن عنها وبين أسعار البيع، والتفوق بـ 25 بالمائة السعر المُصرح به لدى الحكومة.

وأطلق ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي حملة تحت وسم "خلّيها تصدّي" أو "دعها للصدأ"، تحث الجزائريين على مقاطعة شراء السيارات المجمعة من طرف العلامات العالمية فوق التراب الجزائري. ولقيت الحملة تجاوبا كبيرا في الشارع الجزائري، حيث تراجع العديد من المواطنين عن شراء السيارات بعد تفجّر فضيحة "التلاعب بالأسعار".

وسرعان ما استجابت العلامات المعتمدة في الجزائر لضغط حملة المقاطعة وخفّضت أسعار السيارات.

إلى ذلك، قال الخبير الاقتصادي فرحات علي، لـ"العربي الجديد"، إن "مثل هذه الحملات على الرغم من أنها لا تتسم بالرسمية، إلا أن ذلك لا يلغي أهميتها، لأن الزبون في كل بلدان العالم هو الذي يتحكم في السوق، وما دام يتمتع بوعي استهلاكي يمنعه من الرضوخ للمتعاملين الاقتصاديين، فبإمكانه التحكم في قانون العرض والطلب، وبالتالي التحكم في طريقة غير مباشرة ببورصة الأسعار".

وأكد الخبير الاقتصادي وجود مبالغة كبيرة في أسعار السيارات المجمعة محلياً، "والتي أصبحت أغلى حتى من أسعارها في بلد العلامة الأصلي، وبلجوء المستهلك إلى المقاطعة سيؤثر على السوق، وسيجبر الشركات على خفض الأسعار".

حمى مقاطعة المنتجات في الجزائر، باتت سلاحا بيد الجزائريين سرعان ما يلوّحون به عند تجاوز الأسعار الخطوط الحمراء، كما حدث نهاية السنة الماضية مع "الموز"، الذي وصل سعر الكيلوغرام الواحد منه إلى زهاء 8 دولارات (ما يعادل 800 دينار جزائري).

وأطلقت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، حملة لمقاطعة الموز، حيث كشف رئيس الجمعية مصطفى زبدي أن "الحملة كانت استجابة لطلبات المستهلكين، عبر عدد كبير من صفحات موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، وكانت الاستجابة كبيرة، وصدى الحملة كان قويا، إلى درجة أن الحكومة قررت التدخل ومنح رخص استيراد استثنائية لاستيراد الموز، لإحداث توازن في الأسواق."

وأضاف زبدي، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "احتكار مجموعة من المستوردين سوق الموز وتوزيعه، هو سبب وصول أسعار الموز إلى 800 دينار، حتى أنه لدينا معلومات بأن بعض المستوردين قاموا ببيع هذه المادة بالجملة بـ650 دينارا لتجار الجملة، وهو ما يتناقض مع القوانين، على اعتبار أن الدولة منحته امتياز الاستيراد بشرط ألّا يتجاوز السعر 180 دينارا جزائريا".

كم شن الجزائريون حملات مقاطعة للدجاج، بعنوان "خليه بالريش" (دعه بريشه) هوت بالأسعار إلى قرابة 30 بالمائة، في ظرف أقل من أسبوع، ونفس السيناريو كان مع الأسماك.
إلى ذلك، يقول جمال نور الدين إن "هذه الحملات تحولت إلى ثقافة رسخت في ذهن المواطن الجزائري، وأصبحت سلاحا قويا في مواجهة المضاربين والمنتجين والمستوردين، والذين رضخوا في بعض الأحيان إلى الحملة وخفضوا من سعر المنتجات."

وأضاف نفس المتحدث، لـ "العربي الجديد"، أنه "لا يمكن إنكار دور مواقع التواصل الاجتماعي في ترسيخ المقاطعة في الثقافة الاستهلاكية للجزائريين. ففي الماضي القريب كانت هذه الحملات منعدمة، بعكس اليوم مع التطور التكنولوجي".

تعثّر في تونس

في تونس، لم تسجّل منظمات ترشيد المستهلكين نتائج جيدة لحملات المقاطعة التي دعت إليها في مناسبات عديدة.

ولا يمنع ضعف استجابة المجتمع لدعوات المقاطعة، الجمعيات المدنية التي قادت حملات سابقة استهدفت الخضار والألبان والصنوبر الحلبي ومشتقات الدواجن، من مواصلة عملها في تفعيل هذا الصنف من الأسلحة، للحد من موجات الغلاء وأشكال المضاربة والاحتكار.

ويقول رئيس منظمة الدفاع عن المستهلك، سليم سعد الله، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن المنظمة قادت في مناسبات عديدة حملات مقاطعة ضد سلع شهدت شططا في الأسعار، أو عمد التجار إلى تجفيفها من السوق بغية المضاربة فيها، مؤكدا أن درجة الاستجابة لم تكن في بعض الأحيان بالقدر المطلوب.

واعتبر سعد الله أن المستهلك التونسي تحكمه الالتزامات الاجتماعية تجاه كل المناسبات والأعياد التي يرتفع فيها نسق الاستهلاك، معتبرا أن كثرة الطلب تجعل من السوق أرضية خصبة للتجار لزيادة الأسعار.

وأضاف أن المنظمة لا تفعّل سلاح المقاطعة في كل المناسبات، معتبرا أن هذه الآلية سلاح ذو حدين، ويمكن أن يعود بالضرر على منظومات إنتاج، في حال أبدى المستهلكون استجابة لحملات المقاطعة.

وكانت أنجح تجارب التونسيين مع المقاطعة بمناسبة احتفالات بالمولد النبوي الشريف، في نوفمبر/تشرين الثاني 2017، حين كثفت منظمة الدفاع عن المستهلكين (منظمة مدنية) الدعوات إلى مقاطعة مادة الصنوبر الحلبي، المادة الأساسية التي تعد منها "عصيدة الزقوقو" الطبق الرئيسي لإحياء ذكرى مولد النبي.
المساهمون