غريم: حكايات وقوى مجهولة

05 ديسمبر 2018
يتقلب العمل بين البعد البوليسي والبعد الأسطوري (NBC)
+ الخط -
مما لا شك فيه أن الحكايات الشعبية التي قام الأخوين غريم بتجميعها وحفظها، تحتل في قلوب كثيرين منا مكانة كبيرة، فارتباط تلك الحكايات بطفولتنا وتماسنا الأول مع السرد الحكائي يزيد من قيمتها؛ ولذلك فإن تجميع كل تلك الحكايات في سياق درامي واحد وصياغة مسلسل يضم شخصيات أمثال ليلى والذئب وسنو وايت وغيرها، سيجذب الكثير من المشاهدين بالضرورة، وهذا ما حققه المسلسل الأميركي "غريم" grimm.
في المساحة الفاصلة بين الواقع والأسطورة، تمتزج خيوط المسلسل؛ فما بين الحكايات الأسطورية التي جمعها الأخوان غريم وما بين حكاية محقق جنائي مرتبط ويعيش حياته اليومية بإيقاع هادئ، وعلى ظل الأسطورة الخاصة بالمسلسل المحاكة حول شخصية الأخوين غريم وامتدادهما البيولوجي؛ تمتزج هذه الخطوط الثلاث لصياغة الحكاية الرئيسية في مسلسل "غريم"؛ حيث يجد بطل المسلسل، نيك، نفسه مجبراً على خوض صراع مع قوى مجهولة بسبب انتمائه البيولوجي لعائلة "غريم".
السياق المنفصل – المتصل الذي ينقلنا في كل حلقة إلى شخصيات أسطورية جديدة مستمدة من حكايات الجدات الشعبية التي جمعها الأخوان غريم، هو إحدى النقاط المضيئة التي أنقذت المسلسل من عقمه؛ فالحكاية الرئيسية للمسلسل، والتي يتم التأسيس لها في افتتاحية الجزء الأول، ليست بالجودة الكافية لحمل العمل، ودخول شخصيات جديدة وحكايات رديفة هو الأمر الوحيد الذي مكّن المسلسل من اكتساب شعبية كبيرة جعلته يستمر لستة مواسم (123 حلقة) ليكون ثالث أطول مسلسل بثته "إن بي سي" في تاريخها. فقضية المحافظة على التوازن بين القوى الأسطورية في الحياة الواقعية اليومية، تبدو غير قادرة على حمل المسلسل رغم شاعرية الفكرة، والمشاهد التي تتم بها تسليم نيك راية عائلة غريم من قبل عمته ماري ليصبح الصياد الجديد للكائنات الأسطورية التي قد تحدث خللاً بالتوازن بين الواقع والأسطورة، تبدو غير مقنعة، وربما من المستغرب أن يستمر مسلسل وتتنامى شعبيته بعد هذه الهفوات في افتتاحيته؛ لكن الأمر الذي يميز المسلسل هو الشخصيات التي تظهر في كل حلقة، وآلية استثمار حكايات الجدات بسياق بوليسي شيق، ورسم لوحات جمالية بالحكايات الصغيرة المتناثرة، لتتجاوز بروعتها هفوات الحبكة الرئيسية.
ويعيب "غريم" أيضاً التفاوت الكبير بين مستوى الحلقات، ورغم أن هذه المشكلة اعتدنا عليها في معظم المسلسلات ذات السياق المنفصل – المتصل، ولكنها في مسلسل "غريم" تبدو واضحة جداً، بسبب ضعف الحكاية الرئيسية وضياع المسلسل ما بين البعد البوليسي والبعد الأسطوري للحكايات الأصلية، ليبدو الإيقاع في بعض الحلقات سريعاً، وتقع حلقات أخرى بهفوة البطء والاسترسال بسرد تفاصيل غير أصيلة بالحكاية لخلق سياق متين يحمل القصة؛ وإن كانت هذه المشكلة قد حلّت تدريجياً مع تقادم الأجزاء وتطور العلاقة بين الشخصيات لتغدو قادرة من بعد الجزء الثاني على التدخل في رفع سوية الحبكات الفرعية.
وتبقى أكثر الأمور إيجابية في المسلسل هو خلقه لفلسفة خاصة جداً؛ فلسفة تبرر الصراعات البشرية من خلال أبعاد أسطورية تمييزية، تجعل البشر ينتمون لأصول مختلفة، وتبين أن التاريخ البشري الطويل ما هو إلا محاولات لأنسنة الوحوش بداخلنا، لتتجاوز هذه الفلسفة حكايات الأخوين غريم برمزيتها، وتخلق معادلاً درامياً لأرشيفهم القصصي، مسلسل جيد، ربما ليس أفضل ما يمكن تقديمه حول الحكايات الشعبية، ولكنه خاص ومغمور بالتفاصيل الجمالية.
دلالات
المساهمون