03 اغسطس 2022
عون رئيساً مكبلاً... لم ينتخب بعد
تتدحرج التطورات وتتشابك بعضها ببعض، لتنشئ معطياتٍ جديدةً، تقارب، إلى حدّ ما، السوريالية في المشهد السياسي اللبناني الذي استمر محنطاً أكثر من سنتين، وراح أخيراً يقارب العفونة السياسية، المجبولة برائحة النفايات التي عادت تغطي الشوارع مجدّدا. فقبل أيام، أعلن سعد رفيق الحريري دعمه ميشال عون، حليف حزب الله ومرشحه لرئاسة الجمهورية اللبنانية، بعد مخاضٍ دام أكثر من سنتين، وشهد تدرّجاَ وتقلباً في المواقف، بدءاً بدعم سمير جعجع، ثم أمين الجميل (غير المعلن)، تلاهما ترشيح الخصم سليمان فرنجية قبل نحو سنة، وأخيراً (وليس آخراً؟) الجنرال عون.
لم يكن قرار الحريري مفاجئا لسياسيين كثيرين، إلا أنه جاء صادماً لشارع ورأي عام "14 آذار" الذي يرى في عون ظلاً لحزب الله، وغطاء له سواء في حرب تموز 2006، أو في 7 مايو/ أيار 2008 حين غزا حزب الله بيروت، ورأس حربته في الحملات التي شُنت على ما سميت "الحريرية السياسية" (وعلى السنّة)، والتي أدت إلى إسقاط أول حكومة يرأسها الحريري في نهاية 2010. وأخيراً، إلى الفراغ في رئاسة الجمهورية سنتين ونصف السنة، كرمى عيون عون الذي لا يريد رئيساً غيره.
يسلّم اليوم الحريري بأن لا مخرج للأزمة إلا بانتخاب العماد المُسن (82 سنة) رئيساً، وهو ما اعتبره بعضهم رضوخا لابتزاز حزب الله، أو كما عنونت صحيفة الأخبار بصريح العبارة "تسليم الحريري بمرشح حزب الله". في حين يرى زعيم تيار المستقبل أنه جرّب كل الحلول الممكنة من دون نتيجة، وأصبحت الأولوية هي لإنقاذ البلد من الانحلال، والوقوع فريسة في أيدي حزب الله الذي يعمل على الانهيار الكامل، تمهيدا لفرض معادلةٍ جديدةٍ، تقوم على ما تسمى "المثالثة"، أي صيغة حكم عمادها الشيعة طرفاً قائماً بذاته إلى جانب السنة والمسيحيين، بدل الصيغة القديمة التي قام عليها ميثاق لبنان المستقبل عام 1943 بين المسيحيين والمسلمين السنّة. ويعتبر الحريري أنه اختار الأقل سوءاً بين عون رئيسا أو انهيار الصيغة والبلد.
غير أن هذا الخيار أحدث ارتجاجاتٍ عديدة، أولها التصدّع في تيار الحريري نفسه، بمجاهرة رئيس الحكومة السابق ورفيق درب رفيق الحريري، فؤاد السنيورة، بمعارضته انتخاب عون، وتبعه نائب رئيس البرلمان، فريد مكاري، ومجموعة من نواب "المستقبل" (10 من أصل 32 نائبا) يتقدمهم الوزير السابق أحمد فتفت. أما الموقف الأهم والأكثر إحراجا وحمال أوجه هو معارضة رئيس المجلس النيابي ورئيس حركة أمل، نبيه بري، الذي أكّد أن موقفه لا رجعة فيه، كما أعلن أيضاً أنه لن يدعم ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة، ولن يشارك فيها. صحيح أن من شأن دعم الحريري عون أن يؤمن له الأكثرية النيابية المطلوبة للفوز، إلى جانب كتلة نواب عون ونواب حزب الله ونواب القوات اللبنانية، لكن عون سيواجه معارضةً قويةً مؤلفةً من نواب كتلتي بري وفرنجية الذي أصبح خصم عون اللدود، ومنافسه على الرئاسة، بعد أن كان أوفى الحلفاء، وكذلك كتلة حزب الكتائب ونائبي حزب البعث ونائبي الحزب القومي السوري ومجموعة من النواب المستقلين.
لا يقتصر انتخاب رئيس الجمهورية على حصول المرشح على أكثرية الأصوات، وإنما يتعدّاها ليطاول الصيغة اللبنانية القائمة على "توافقاتٍ" طائفية ومذهبية، وتحديداً منذ فرض وصاية نظام البعث السوري على لبنان في بداية التسعينيات، والتطبيق المشوه لاتفاق الطائف (1989)، تفضي، في غالب الأحيان، إلى ما يشبه الإجماع الذي يتعارض مع دستور لبنان ونظامه الديمقراطي البرلماني. ولكن، ليس هذا على الأرجح ما يريده بري في رفضه انتخاب عون، إذ سبتقى الطائفة الشيعية حاضرة في السلطة، عبر حزب الله كونه العراب للرئيس العتيد، وبالتالي، عبر مشاركته في الحكومة التي من المفترض أن يشكلها الحريري، بحسب الاتفاق الثنائي مع عون، والتي اعتبر نصرالله، في آحدث كلام له، "عدم ممانعة" حزب الله ترؤس الحريري الحكومة يشكل "تضحية كبيرة جداً من قبلنا".
ما يباعد أولاً بين بري وعون هو عدم وجود كيمياء بين الرجلين، وعدم انسجام بين الشخصيتين. وثانياً، لأن رئيس حركة أمل يخشى، بالتالي، أي طبخةٍ من وراء ظهره على موقعه في رئاسة المجلس، واستبعاده خلال توزيع الحصص. وثالثاً، وهنا بيت القصيد، من قال إن حزب الله" يريد فعلا الركون إلى عون في حل أزمة الفراغ الرئاسي، فيما الحرب مشتعلة في سورية. فالرئيس الذي قد يضطر حزب الله للقبول به هو الذي يضمن له استمرار الفراغ، فلا يتعدّى دوره دور رئيس بلدية وليس رئيس دولة. وهذا ما لا يمكن أن يأمنه الحزب في طباع العسكري ميشال عون، صاحب شخصية مزاجية ومتقلبة، ومصاب، في الوقت نفسه، بجنون العظمة، قد يصدّق في لحظة ما أنه فعلاً صاحب دور إنقاذي وخلاصي، كما يراه جمهور مناصريه. لذلك، دور بري هنا هو بمثابة حفط "خط رجعة" لحزب الله الذي لن يتخلى عن حليفه الشيعي، ولن يشارك في حكومة الحريري من دون مشاركة حركة أمل.
في المقابل، كيف يمكن للحريري أن يحمل وزر حكومة تتمثل فيها الطائفة الشيعية فقط بحزب الله الذي تصنفه الولايات المتحدة إرهابيا، وكذلك دول الخليج العربية، وفي مقدمها السعودية التي تعبر عن امتعاضها من خيار الحريري دعم مرشّح حزب الله بالتزام الصمت، وهي التي شنت هجوماً عنيفاً على الحزب في فبراير/ شباط الماضي، وقرّرت معاقبة لبنان بوقف مساعداتٍ بقيمة ثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني. ناهيك عن الضمانات التي يقول الحريري إن عون قد تعهدها في حال انتخابه رئيساً بالحفاظ على حياد لبنان، حيال الصراع الدائر في سورية، فيما يعلن نصرالله بالفم الملآن على مسامع الحريري وعون معاً أن "من يراهن على تعبنا أو يأسنا أن الحالة الوحيدة التي تعيدنا إلى لبنان هي الانتصار في سورية".
ففي حال صدقت النيات، وتم انتخاب عون في جلسة 31 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عندها سينتقل الكباش الى الحكومة، ويقف الحريري مكلفاً من دون أن يتمكن من تشكيل الحكومة أشهرا وأشهرا، ويصبح هو عنواناً للفراغ ولتعطيل السلطة التنفيذية والمؤسسات، ويكون لحزب الله ما أراده من دون الانزلاق إلى مواجهةٍ سنيةٍ شيعيةٍ، فهل الحريري مدرك لهذا الفخ؟
لم يكن قرار الحريري مفاجئا لسياسيين كثيرين، إلا أنه جاء صادماً لشارع ورأي عام "14 آذار" الذي يرى في عون ظلاً لحزب الله، وغطاء له سواء في حرب تموز 2006، أو في 7 مايو/ أيار 2008 حين غزا حزب الله بيروت، ورأس حربته في الحملات التي شُنت على ما سميت "الحريرية السياسية" (وعلى السنّة)، والتي أدت إلى إسقاط أول حكومة يرأسها الحريري في نهاية 2010. وأخيراً، إلى الفراغ في رئاسة الجمهورية سنتين ونصف السنة، كرمى عيون عون الذي لا يريد رئيساً غيره.
يسلّم اليوم الحريري بأن لا مخرج للأزمة إلا بانتخاب العماد المُسن (82 سنة) رئيساً، وهو ما اعتبره بعضهم رضوخا لابتزاز حزب الله، أو كما عنونت صحيفة الأخبار بصريح العبارة "تسليم الحريري بمرشح حزب الله". في حين يرى زعيم تيار المستقبل أنه جرّب كل الحلول الممكنة من دون نتيجة، وأصبحت الأولوية هي لإنقاذ البلد من الانحلال، والوقوع فريسة في أيدي حزب الله الذي يعمل على الانهيار الكامل، تمهيدا لفرض معادلةٍ جديدةٍ، تقوم على ما تسمى "المثالثة"، أي صيغة حكم عمادها الشيعة طرفاً قائماً بذاته إلى جانب السنة والمسيحيين، بدل الصيغة القديمة التي قام عليها ميثاق لبنان المستقبل عام 1943 بين المسيحيين والمسلمين السنّة. ويعتبر الحريري أنه اختار الأقل سوءاً بين عون رئيسا أو انهيار الصيغة والبلد.
غير أن هذا الخيار أحدث ارتجاجاتٍ عديدة، أولها التصدّع في تيار الحريري نفسه، بمجاهرة رئيس الحكومة السابق ورفيق درب رفيق الحريري، فؤاد السنيورة، بمعارضته انتخاب عون، وتبعه نائب رئيس البرلمان، فريد مكاري، ومجموعة من نواب "المستقبل" (10 من أصل 32 نائبا) يتقدمهم الوزير السابق أحمد فتفت. أما الموقف الأهم والأكثر إحراجا وحمال أوجه هو معارضة رئيس المجلس النيابي ورئيس حركة أمل، نبيه بري، الذي أكّد أن موقفه لا رجعة فيه، كما أعلن أيضاً أنه لن يدعم ترشيح الحريري لرئاسة الحكومة، ولن يشارك فيها. صحيح أن من شأن دعم الحريري عون أن يؤمن له الأكثرية النيابية المطلوبة للفوز، إلى جانب كتلة نواب عون ونواب حزب الله ونواب القوات اللبنانية، لكن عون سيواجه معارضةً قويةً مؤلفةً من نواب كتلتي بري وفرنجية الذي أصبح خصم عون اللدود، ومنافسه على الرئاسة، بعد أن كان أوفى الحلفاء، وكذلك كتلة حزب الكتائب ونائبي حزب البعث ونائبي الحزب القومي السوري ومجموعة من النواب المستقلين.
لا يقتصر انتخاب رئيس الجمهورية على حصول المرشح على أكثرية الأصوات، وإنما يتعدّاها ليطاول الصيغة اللبنانية القائمة على "توافقاتٍ" طائفية ومذهبية، وتحديداً منذ فرض وصاية نظام البعث السوري على لبنان في بداية التسعينيات، والتطبيق المشوه لاتفاق الطائف (1989)، تفضي، في غالب الأحيان، إلى ما يشبه الإجماع الذي يتعارض مع دستور لبنان ونظامه الديمقراطي البرلماني. ولكن، ليس هذا على الأرجح ما يريده بري في رفضه انتخاب عون، إذ سبتقى الطائفة الشيعية حاضرة في السلطة، عبر حزب الله كونه العراب للرئيس العتيد، وبالتالي، عبر مشاركته في الحكومة التي من المفترض أن يشكلها الحريري، بحسب الاتفاق الثنائي مع عون، والتي اعتبر نصرالله، في آحدث كلام له، "عدم ممانعة" حزب الله ترؤس الحريري الحكومة يشكل "تضحية كبيرة جداً من قبلنا".
ما يباعد أولاً بين بري وعون هو عدم وجود كيمياء بين الرجلين، وعدم انسجام بين الشخصيتين. وثانياً، لأن رئيس حركة أمل يخشى، بالتالي، أي طبخةٍ من وراء ظهره على موقعه في رئاسة المجلس، واستبعاده خلال توزيع الحصص. وثالثاً، وهنا بيت القصيد، من قال إن حزب الله" يريد فعلا الركون إلى عون في حل أزمة الفراغ الرئاسي، فيما الحرب مشتعلة في سورية. فالرئيس الذي قد يضطر حزب الله للقبول به هو الذي يضمن له استمرار الفراغ، فلا يتعدّى دوره دور رئيس بلدية وليس رئيس دولة. وهذا ما لا يمكن أن يأمنه الحزب في طباع العسكري ميشال عون، صاحب شخصية مزاجية ومتقلبة، ومصاب، في الوقت نفسه، بجنون العظمة، قد يصدّق في لحظة ما أنه فعلاً صاحب دور إنقاذي وخلاصي، كما يراه جمهور مناصريه. لذلك، دور بري هنا هو بمثابة حفط "خط رجعة" لحزب الله الذي لن يتخلى عن حليفه الشيعي، ولن يشارك في حكومة الحريري من دون مشاركة حركة أمل.
في المقابل، كيف يمكن للحريري أن يحمل وزر حكومة تتمثل فيها الطائفة الشيعية فقط بحزب الله الذي تصنفه الولايات المتحدة إرهابيا، وكذلك دول الخليج العربية، وفي مقدمها السعودية التي تعبر عن امتعاضها من خيار الحريري دعم مرشّح حزب الله بالتزام الصمت، وهي التي شنت هجوماً عنيفاً على الحزب في فبراير/ شباط الماضي، وقرّرت معاقبة لبنان بوقف مساعداتٍ بقيمة ثلاثة مليارات دولار للجيش اللبناني. ناهيك عن الضمانات التي يقول الحريري إن عون قد تعهدها في حال انتخابه رئيساً بالحفاظ على حياد لبنان، حيال الصراع الدائر في سورية، فيما يعلن نصرالله بالفم الملآن على مسامع الحريري وعون معاً أن "من يراهن على تعبنا أو يأسنا أن الحالة الوحيدة التي تعيدنا إلى لبنان هي الانتصار في سورية".
ففي حال صدقت النيات، وتم انتخاب عون في جلسة 31 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، عندها سينتقل الكباش الى الحكومة، ويقف الحريري مكلفاً من دون أن يتمكن من تشكيل الحكومة أشهرا وأشهرا، ويصبح هو عنواناً للفراغ ولتعطيل السلطة التنفيذية والمؤسسات، ويكون لحزب الله ما أراده من دون الانزلاق إلى مواجهةٍ سنيةٍ شيعيةٍ، فهل الحريري مدرك لهذا الفخ؟