تحدت السودانية عوضية عبده، الفقر والإعاقة الجسدية، لتتدرج من بائعة تطاردها حملات الشرطة، إلى صاحبة أشهر مطعم للأسماك في السودان، فضلا عن كونها ناشطة في مجال دعم الفئات الضعيفة في المجتمع، لتصبح إحدى أيقونات كفاح المرأة السودانية.
تعود أصول السيدة عوضية، التي تلقب بـ"عوضية سمك"، إلى منطقة جنوب كردفان، أكثر المناطق السودانية تأثراً بالحرب، لكنها ولدت في العاصمة الخرطوم عام 1951، وبعد سنتين من مولدها، أصيبت بمرض شلل الأطفال الذي سبب لها إعاقة في إحدى قدميها أثرت على حركتها، لكنه لم يؤثر في عزيمتها وإرادتها.
لا تتذكر عوضية التي التقاها "العربي الجديد"، داخل مطعمها، قصة المرض، لكنها تقول إنها كانت أخف حركة في طفولتها عما هي عليه اليوم. "نشأت في أسرة ميسورة الحال حاصرها الفقر شأن كثير من الأسر، فلم أستطع دخول المدرسة لتعلم القراءة والكتابة. تزوجت من رجل بسيط لا يمتلك في الدينا غير عربة (كارو) يعول بها عائلته".
مع اتساع دائرة ضيق المعيشة، قررت عوضية الخروج لسوق العمل لتساعد زوجها، فباعت الحبوب وقصب السكر، كما عملت لفترة في مصنع للبسكويت، حتى أقنعتها صديقتها للعمل معها على ضفاف النيل في بيع الشاي والزلابية لصائدي الأسماك، لكن حملات الشرطة ظلت تطاردها.
وتذكرعوضية لـ"العربي الجديد"، كيف أنها خاضت صراعاً مع تلك الحملات التي كانت تصادر أدواتها البسيطة. "بعد أربع سنوات من بيع الشاي والزلابية، بدأت تعلم طهي السمك بطلب من زبائني الصيادين. كانوا يمنحونني السمك لطهيه مقابل منحي سمكا طازجا لأبيعه لحسابي، ولما ظهرت براعتي في الطهي أقبل علي الزبائن".
منعتها السلطات من البيع مجدداً، لكنها لم تيأس، "أستأجرت محلاً في منطقة الموردة، بيد أني لم أمكث فيه سوى 15 يوما، لأن أصحاب المنازل المجاورة اشتكوا للسطات مما اعتبروه إزعاجاً، فانتقلت إلى مكان آخر قضيت فيه ثلاثة أشهر فقط، قبل مواجهة ذات المشكلة مع الجيران".
أخيرا، وقبل 18 سنة من الآن، استقر بها المقام في محل بشارع رئيسي بعيد قليلاً عن الأحياء، وتوسعت فيه حتى بلغت مساحته 1500 متر، ليكون اليوم أحد أشهر مطاعم بيع الأسماك في السودان، وغالب رواده من الموظفين ورجال الأعمال والأسر. بعد النجاح ذاعت شهرتها وأصبحت نجمة مجتمع تستضيفها القنوات التلفزيونية، وتكتب عنها الصحف والمجلات.
يعمل في المطعم نحو 30 شخصا، معظمهم من الأقارب، وغالبيتهم من النساء، إدراكاً منها لحاجة المرأة للعمل في ظل الظروف الاقتصادية، كما أن بين العاملين طلابا وطالبات قررت تشغيلهم حتى يتمكنوا من توفير مصروفات الدراسة ومساعدة أسرهم.
بعد أن مكنت نفسها اقتصادياً، اتجهت عوضية إلى مجال العمل الخيري ومساعدة الفقراء والمساكين، خاصة ذوي الإعاقة منهم، وسجلها في هذا المجال يضم منظمات خيرية، أبرزها جمعية الروضة الخيرية التي تعنى بتدريب الشباب من الجنسين على أعمال يدوية مختلفة، ومشغل خيري خاص بتأهيل ذوي الإعاقة، خاصة الفتيات، وتؤكد عوضية أنها حرصت على تقديم الدعم للمعوقين لأنها أحد أفراد تلك الفئة.
ولعوضية مبادرات خيرية أخرى، مثل تبنيها لختان نحو 1000 طفل بالتنسيق مع السلطات الصحية، كما أنها بادرت بصيانة 3 مدارس أساسية، ودعمت عددا من المشروعات في مجال التمويل الأصغر للأسر الفقيرة، بينها توزيع ماكينات الخياطة وآليات صناعة الطوب وماكينات صناعة الشعيرية، كما تسير سنوياً قوافل رمضانية لأسر جنوب كردفان، وتنظم دورات في مجال الإسعافات الأولية، ومحاضرات للنساء للتوعية عن مخاطر سرطان الثدي، ودعمت عدة مرات مناسبات الزواج الجماعي.
وحين سألها "العربي الجديد"، عن حلمها الذي لم يتحقق بعد، قالت إن غاية ما تحلم به هو إعادة أي طالب مشرد إلى المدرسة ليبدأ حياة جديدة، وأن تلم شمل الأسر التي تفككت بسبب الظروف.
حازت عوضية، في وقت سابق تكريما خاصا من الرئيس السوداني، عمر البشير الذي منحها وسام الامتياز من الطبقة الأولى، كما رشحتها وزارة الرعاية والضمان الاجتماعي هذا العام لجائزة الأم العربية المثالية بالكويت، وهو أمر لا يشغل بالها كثيراً، بقدر ما تشغلها مواصلة نجاحاتها الاقتصادية وأعمالها الخيرية.
تحتفل السيدة عوضية بطريقتها الخاصة بيوم المرأة العالمي، متضامنة مع شريحة بائعات الشاي التي كانت واحدة منهن، حيث توالي اتصالاتها مع السلطات المحلية في أم درمان لاستخراج 35 تصديقاً على نفقتها لبائعات شاي، والعمل على إقناع السلطات بإتاحة فرصة العمل للبائعات دون مطاردات.