عودة الإضرابات العمالية: سحب انتفاضة تتراكم في سماء مصر

25 اغسطس 2016
المؤشرات تدل على اقتراب موعد ثورة مصرية جديدة(أحمد اسماعيل/الأناضول)
+ الخط -
يصف سياسي مصري بارز، سبق أن شارك في تظاهرات الثلاثين من يونيو 2013، ما يحدث في مصر الآن باعتباره "موجات من السحب التي تتراكم، ويمكن أن تمطر ثورة، لا أحد يمكنه توقع اتجاهاتها، ولا نتائجها، وإن كانت مؤشرات توقيتها، تؤكد أنها تقترب، ربما بإيقاع أكثر سرعة من توقع أجهزة الدولة". يضيف هذا السياسي قائلاً: "نحن، يعني قوى سياسية شاركت في التظاهرات، ثم (في) تأييد النظام (الحالي)، حذرنا مؤسسة الرئاسة عبر دوائر قريبة منها، بعد إبعادنا عن المشهد، من أن انفجاراً قريباً سيأتي ليضع البلد في مهب الريح؛ لكن تصرفات الرئيس والحكومة، تُكَرر وبصورة أسرع وأوضح، عناد الرئيس المخلوع حسني مبارك، وحكوماته المتعاقبة، لا سيما في السنوات الأخيرة".

وفي السياق، يشير باحث من مركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية إلى أن "سياسة امتصاص الغضب، بإجراءات شكلية مؤقتة، أو وعود يثبت كذبها سريعاً، لم تعد تجدي، إلى درجة أن النظام السياسي الحالي، بقيادة عبدالفتاح السيسي، لم يعد يهتم أساساً بتطبيق مثل هذه الإجراءات".

وترصد "العربي الجديد" عدداً من المظاهر التي يعلق عليها السياسي والباحث المصري. فبعد إضراب دام أربعة أيام متواصلة، عاد عمال شركة "أسبريا مصر للكيماويات" بمدينة العاشر من رمضان الصناعية بمحافظة الشرقية بدلتا مصر، للعمل عقب موافقة إدارة الشركة على زيادة الأجر المتغير لهم بمقدار 700 جنيه (ما يعادل 78 دولاراً أميركياً)، بالإضافة إلى رفع العلاوة الدورية بنسبة سبعة بالمائة. يذكر أن ملكية شركة "أسبريا مصر للكيماويات" تعود لمجموعة ناصر الخرافي الكويتية، صاحبة المشاريع العملاقة في مصر، وهي مجموعة متعددة النشاطات، وتعتبر أكبر شركة كويتية خاصة ومن أضخم الشركات في العالم العربي.

اللافت أن إضراب عمال "أسبريا مصر" لم يكن منفرداً، بل كان ضمن ستة إضرابات عمالية في مدينة العاشر من رمضان الصناعية خلال الشهر الماضي، والتي تتزامن جميعها مع ارتفاع أسعار المنتجات والسلع باستمرار، مع تدني قيمة الجنيه المصري أمام الدولار الأميركي. وسبق إضراب عمال "أسبريا مصر للكيماويات"، إضرابات العمال في الشركات التالية: "الأمراء للسراميك"، و"فرسينيا للسيراميك"، و"لابوتيه للسراميك"، و"سيرميكا مصر"، وهي إضرابات متواصلة حتى اليوم.

ويبدو أن هذه الاحتجاجات العمالية في مصر قد هدأت بشكل مؤقت خلال الفترة الماضية، نتيجة إحكام القبضة الأمنية المصرية بشكل عام على البلاد. إلا أنها عادت بقوة مؤخراً في ظل أزمات اقتصادية حادة.

وبلغ حجم الاحتجاجات العمالية خلال شهر يوليو/تموز الماضي 28 احتجاجاً، وفقاً لإحصاء المؤسسة العربية لدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان، في تقريرها التاسع عن الحالة الاحتجاجية. وأشار التقرير إلى تزايد الاحتجاجات من جانب القطاعات العمالية التي تطالب بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية وبتحسين الأوضاع المالية وزيادة الحوافز والبدلات وتسوية الأوضاع الوظيفية. وفي تقرير سابق لها، أشارت المؤسسة إلى أن الاحتجاجات العمالية خلال أشهر إبريل/نيسان ومايو/أيار ويونيو/حزيران، بلغت 57 احتجاجاً، بنسبة 28.6 بالمائة من إجمالي احتجاجات الفترة محل التقرير.





وتتراكم الإضرابات العمالية المطالبة بحقوق اقتصادية واجتماعية، على الحكومة المصرية، ووزارة القوى العاملة والهجرة، ما يشير إلى أن مصر مقبلة على موجة تحركات عمالية تتزايد باطراد مع غلاء الأسعار. وفيما تسعى الدولة لاحتواء الوضع، إلا أنها تصطدم بإصرار العمال على القيام بإجراءات تصعيدية إلى حين تحقيق مطالبهم، كما هو الحال مع إضراب عمال "سرميكا مصر" بمحافظة الشرقية، والذين قرر العشرات منهم، منذ يومين، تنفيذ إضراب عن الطعام، نتيجة ارتفاع كلفة المعيشة وتدني مستوى الرواتب.

ويؤكد أحد هؤلاء العمال مطالبهم تتمثل في "صرف أرباحهم السنوية وبدل المخاطر وتوفير أدوات الصحة والسلامة المهنية واحتساب قيمة الساعات الإضافية على الراتب الشامل وخصم قيمة الجزاءات من الراتب الأساسي". وقرر عمال "سرميكا مصر" الإضراب عن العمل منذ أربعة عشر يوماً، للمطالبة بصرف مستحقاتهم المالية المتأخرة والخاصة بالأعمال الإضافية التي يؤدونها وأيام العطلات الرسمية التي يعملون فيها وإجازة السبعة أيام الخاصة بالصناعات الثقيلة، التي تشمل "السيراميك"، فضلاً عن حقهم في الأرباح السنوية وصرف بدل المخاطر.

في هذا السياق، يرى الناشط اليساري، عضو حركة الاشتراكيين الثوريين المصرية، هشام فؤاد، أن إضرابات العمال خلال الشهر الجاري، تمكنت من تحقيق نتائج وإحراز مكتسبات، لا سيما مع حرص العمال على ضمان عدم المساس بقيادات الاحتجاج من جانب الإدارة. ويتابع فؤاد أن "المهم اليوم في ظل موجة رفع الأسعار الحالية والمقبلة والتي تسحق الفقراء (وتبدد) أية زيادة في الراتب، هو النضال من أجل ربط الأجر بالأسعار، بزيادة سنوية تعادل نسبة التضخم، على أن تكون الزيادة على الأجر الأساسي، وليس المتغير، وتنظيم أنفسهم لكي يستطيعوا النضال من أجل الحصول على المزيد من المكاسب والتصدي للهجوم".

ويشير الناشط العمالي اليساري إلى أن نضال العمال العفوي الهادف إلى تحقيق نتائج ملموسة سواء على المستوى الاقتصادي أو السياسي، يحتاج لابتداع أشكال تنظيمية جديدة تستطيع (الصمود) في ظل مناخ الاستبداد الراهن، على حد قوله. ويضيف: "نحتاج أشكالاً تنظيمية تقود تحركات العمال الاقتصادية مثل الأجور والأرباح، ومطالبهم السياسية بدءاً من تشريع قوانين جديدة للعمل ومناهضة الغلاء وحق التظاهر والإضراب، وصولاً إلى خلق مجتمع جديد". ويختم فؤاد مؤكداً على "أن تراكم الخبرات المستخلصة من الاعتصامات والإضرابات وتأسيس نقابات في وقت سابق، يعتبر الأساس الذي يمكن للعمال البناء عليه لخلق تنظيماتهم الجديدة المتحررة من مشاكل الماضي لمواجهة الإفقار والاستبداد"، بحسب وصفه.

والاحتجاجات العمالية الحالية تندرج في إطار حركة مستمرة ومتصاعدة منذ عام 2015. فقد شهدت المحافظات المصرية 1117 احتجاجاً خلال عام 2015، بحسب الإحصاء الذي أعلنت عنه منظمة "مؤشر الديمقراطية"، في تقرير أشار أيضاً إلى أن العام الماضي شهد فصل أكثر من 1300 عامل، و15 ألف قضية عمالية في المحاكم، ومقتل 54 عاملاً بسبب إصابات أثناء عمل، كما تم القبض على أكثر من 70 مواطناً بسبب التظاهر من بينهم عمال. وسجل شهرا مارس/آذار وإبريل/نيسان أرقاماً قياسية في الاحتجاجات خلال العام 2015، إذ شهد كل واحد منهما حوالى 125 احتجاجاً عمالياً. وفي يناير/كانون الثاني 2015، تم تنظيم 109 احتجاجات، واستمر الوضع على هذه الوتيرة حتى شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، الذي شهد 115 تحركاً احتجاجياً للعمال في مصر.

هذا المشهد يعكس من جهة، غياب أي تطور في أوضاع حقوق العمال، ووجود محفزات مستمرة تدفع عمال مصر للاحتجاج ضد انتهاك حقوقهم في العمل، من جهة ثانية. وكان المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية رصد 1955 احتجاجاً اقتصادياً واجتماعياً خلال عام 2015 في مختلف أنحاء مصر، مقابل 3008 احتجاجات تم رصدها في عام 2014، و5232 احتجاجاً في عام 2013، وهو ما يشير إلى وجود ميل عام خلال الأعوام الثلاثة الماضية لانحسار مجموع الاحتجاجات الاقتصادية والاجتماعية. وذكر المركز أن المناخ السياسي لم يشهد طوال عام 2015 تغيراً هاماً يكون له أثر ملحوظ على معدلات الاحتجاجات لأسباب اقتصادية واجتماعية. وأكد أن الأسباب والدوافع المتكررة للاحتجاج تكشف بوضوح عـن مشـاكل هيكلية مزمنة وعن الفشل الدائم في إيجاد حلول حاسمة لها، كما أن النمط العام للاحتجاجات يكشف عن الجانب الآخر للصورة وهو نمط عمل الحكومات المصرية المتعاقبة في إدارة الواقع اليومي، وفق تقرير المركز الذي لفت إلى الخلل في هيكل الأجور والتفاوت الفادح بين حدها الأدنى والأقصى، وغياب العدالة في توزيع الدعم ليصل إلى فئات تستحقه بالفعل.

دلالات
المساهمون