01 أكتوبر 2018
عن موجة العنف التركية
بدأت الموجة الحالية في منتصف 2015، عندما قرّرت تركيا مراجعة سياستها المزدوجة الخاصة بمهادنة التمرد الكردي، والنأي بالنفس عن التحالف الدولي لمحاربة تنظيم الدولة الإسلامية، لتقرّر فتح قاعدة إنجرليك العسكرية لطائرات التحالف، وتبدأ حملة مشدّدة ضد الناشطين الكرد والمتعاطفين مع التنظيمات المتطرفة.
كان التخلي التركي حينها رهاناً محفوفاً بالمخاطر، اقتضى فتح جبهةٍ أمنيةٍ مقابل تحقيق الاستقرار السياسي بتمكين حزب العدالة والتنمية من نيل الأغلبية، وتشكيل الحكومة بعد أشهر من التأزم، حيث أصبحت المدن التركية مسرحاً لعمليات عنف تقودها فصائل متطرفة منشقة عن حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى تنظيم الدولة، وأثار ذلك الأمر نوعاً من الالتفاف القومي حول الحكومة التركية في مواجهة هذه الجماعات، كما حصلت على تفويضٍ للتدخل خارج الحدود، لإنشاء حاجزٍ بين مركز توجيه العمليات الإرهابية والأراضي التركية. وفي هذا الشأن، طورت تركيا خياراً أساسيا، هو التعاون مع السعودية لشن حملة عسكرية في شمال سورية ضد التنظيمات المتطرفة، وربما الذهاب بعيداً إلى تغيير الوضع في دمشق، باعتباره السبب الرئيسي في نمو التطرف وتمدّده، غير أن الخلافات التركية الأميركية عرقلت تطبيق هذا المسار، إذ اكتفت أنقرة بالاستماع إلى تطمينات واشنطن عن النشاط الكردي في الشمال السوري، وشنت عمليات محدودة جداً ضمن نطاق التحالف الدولي لصد اعتداءات داعش المتكرّرة.
لكن تركيا لم تستسلم، وحاولت توظيف ورقتي اللاجئين وتدهور العلاقات مع روسيا، بعد إسقاط الطائرة المقاتلة في نوفمبر/ تشرين ثاني 2015، لإقناع شركائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي بضرورة نيل الدعم الكافي لتطبيق التصورات الدفاعية التركية، وفي مقدمها الخيار المشار إليه سابقا، والذي أصبح يرمز إليه لدى الأوساط الإقليمية والدولية بالخطة ب، على اعتبار أن الخطة الرئيسية في الملف السوري من خلال مساري فيينا وجنيف تنطلق من أسبقية التفاهم الأميركي الروسي على سواه من الخيارات.
في هذه الأثناء، ازدادت حدة العنف داخل تركيا، وأدركت قيادة هذا البلد أن حلفاءها المفترضين لن يقدموا لها العون المطلوب في حال دخولها بمواجهة مع روسيا، إن تحركت مباشرة في سورية بشكل أحادي (بالتنسيق مع شركائها العرب)، وتولدت لدى صانع القرار التركي قناعة عميقة بأن هناك مسعى غربي لتوريطه في معركةٍ استنزافية طويلة في داخل المستنقع السوري، وحينها بدأ مشوار البحث عن البدائل: إحداها قناة الجزائر لتنسيق جهد إقليمي يمنع الكرد من تجسيد حلم الانفصال بالموازاة مع استغلال جهود التحالف الدولي ضد داعش، من أجل تقليل أضراره على الأمن التركي، ثم الذهاب إلى تصفير المشكلات في شرق البحر الأبيض المتوسط، لبناء قاعدة مشتركة تستهدف التنسيق الأمني ضد الأخطار المحدقة، ومنها موجة العنف التي تصيب المدن التركية. أما الخيار الثالث البديل فكان تطبيقا لمبدأ: "اذهب إلى البعد الذي لا يتوقعه خصمك". وبموجبه، تعمل تركيا على استعادة العلاقة مع روسيا لترد صفعة التخاذل الغربي في دعمها، وتعلن أن تموقعها لصالح حلف شمال الأطلسي لن يكون مجانياً بعد اليوم.
بهذه الخيارات الثلاث (قناة الجزائر، الصفر مشكلات، البعد غير المتوقع)، تحاول تركيا أن تثبت قدرتها في الدفاع عن مصالحها بشكل مستقل، لكن هجوم اسطنبول أخيراً جاء ليختبر بشكل جاد المرونة، والتماسك في السياسة التركية، حيث أصبحت موجة العنف المحدّد الرئيسي لنجاعة الخطوات التركية، ومدخلاً للتأثير المتبادل بين الأطراف المعنية بها.
قد يكون الهجوم دافعاً لإعلان تركيا قبولها بالتنسيق الشامل في الإقليم ضد الخطر السطحي لتنظيم الدولة الاسلامية، والتغاضي عن المشكلات العميقة، وهذا ما تريده روسيا وأميركا معاً لإنجاح تفاهمات كيري-لافروف. لكنه قد يكون أيضاً سببا لتمهيد الطريق نحو تطبيق الخطة ب، أو صيغة معدّلة عنه. وفي هذه الحالة، ستترك تركيا الروس والغربيين في تدافع لضبط الخيار، وهي بعيدة عن الاستقطاب، وسنرى في الأسابيع المقبلة على أي الطريقين ستمضي الأمور، إذ تتعلق المسالة أساساً بدرجة الاستيعاب التركي لصدمات التدهور الأمني، من دون تأثير مباشر على خيارتها الاستراتيجية.
كان التخلي التركي حينها رهاناً محفوفاً بالمخاطر، اقتضى فتح جبهةٍ أمنيةٍ مقابل تحقيق الاستقرار السياسي بتمكين حزب العدالة والتنمية من نيل الأغلبية، وتشكيل الحكومة بعد أشهر من التأزم، حيث أصبحت المدن التركية مسرحاً لعمليات عنف تقودها فصائل متطرفة منشقة عن حزب العمال الكردستاني، بالإضافة إلى تنظيم الدولة، وأثار ذلك الأمر نوعاً من الالتفاف القومي حول الحكومة التركية في مواجهة هذه الجماعات، كما حصلت على تفويضٍ للتدخل خارج الحدود، لإنشاء حاجزٍ بين مركز توجيه العمليات الإرهابية والأراضي التركية. وفي هذا الشأن، طورت تركيا خياراً أساسيا، هو التعاون مع السعودية لشن حملة عسكرية في شمال سورية ضد التنظيمات المتطرفة، وربما الذهاب بعيداً إلى تغيير الوضع في دمشق، باعتباره السبب الرئيسي في نمو التطرف وتمدّده، غير أن الخلافات التركية الأميركية عرقلت تطبيق هذا المسار، إذ اكتفت أنقرة بالاستماع إلى تطمينات واشنطن عن النشاط الكردي في الشمال السوري، وشنت عمليات محدودة جداً ضمن نطاق التحالف الدولي لصد اعتداءات داعش المتكرّرة.
لكن تركيا لم تستسلم، وحاولت توظيف ورقتي اللاجئين وتدهور العلاقات مع روسيا، بعد إسقاط الطائرة المقاتلة في نوفمبر/ تشرين ثاني 2015، لإقناع شركائها الأوروبيين في حلف شمال الأطلسي بضرورة نيل الدعم الكافي لتطبيق التصورات الدفاعية التركية، وفي مقدمها الخيار المشار إليه سابقا، والذي أصبح يرمز إليه لدى الأوساط الإقليمية والدولية بالخطة ب، على اعتبار أن الخطة الرئيسية في الملف السوري من خلال مساري فيينا وجنيف تنطلق من أسبقية التفاهم الأميركي الروسي على سواه من الخيارات.
في هذه الأثناء، ازدادت حدة العنف داخل تركيا، وأدركت قيادة هذا البلد أن حلفاءها المفترضين لن يقدموا لها العون المطلوب في حال دخولها بمواجهة مع روسيا، إن تحركت مباشرة في سورية بشكل أحادي (بالتنسيق مع شركائها العرب)، وتولدت لدى صانع القرار التركي قناعة عميقة بأن هناك مسعى غربي لتوريطه في معركةٍ استنزافية طويلة في داخل المستنقع السوري، وحينها بدأ مشوار البحث عن البدائل: إحداها قناة الجزائر لتنسيق جهد إقليمي يمنع الكرد من تجسيد حلم الانفصال بالموازاة مع استغلال جهود التحالف الدولي ضد داعش، من أجل تقليل أضراره على الأمن التركي، ثم الذهاب إلى تصفير المشكلات في شرق البحر الأبيض المتوسط، لبناء قاعدة مشتركة تستهدف التنسيق الأمني ضد الأخطار المحدقة، ومنها موجة العنف التي تصيب المدن التركية. أما الخيار الثالث البديل فكان تطبيقا لمبدأ: "اذهب إلى البعد الذي لا يتوقعه خصمك". وبموجبه، تعمل تركيا على استعادة العلاقة مع روسيا لترد صفعة التخاذل الغربي في دعمها، وتعلن أن تموقعها لصالح حلف شمال الأطلسي لن يكون مجانياً بعد اليوم.
بهذه الخيارات الثلاث (قناة الجزائر، الصفر مشكلات، البعد غير المتوقع)، تحاول تركيا أن تثبت قدرتها في الدفاع عن مصالحها بشكل مستقل، لكن هجوم اسطنبول أخيراً جاء ليختبر بشكل جاد المرونة، والتماسك في السياسة التركية، حيث أصبحت موجة العنف المحدّد الرئيسي لنجاعة الخطوات التركية، ومدخلاً للتأثير المتبادل بين الأطراف المعنية بها.
قد يكون الهجوم دافعاً لإعلان تركيا قبولها بالتنسيق الشامل في الإقليم ضد الخطر السطحي لتنظيم الدولة الاسلامية، والتغاضي عن المشكلات العميقة، وهذا ما تريده روسيا وأميركا معاً لإنجاح تفاهمات كيري-لافروف. لكنه قد يكون أيضاً سببا لتمهيد الطريق نحو تطبيق الخطة ب، أو صيغة معدّلة عنه. وفي هذه الحالة، ستترك تركيا الروس والغربيين في تدافع لضبط الخيار، وهي بعيدة عن الاستقطاب، وسنرى في الأسابيع المقبلة على أي الطريقين ستمضي الأمور، إذ تتعلق المسالة أساساً بدرجة الاستيعاب التركي لصدمات التدهور الأمني، من دون تأثير مباشر على خيارتها الاستراتيجية.
مقالات أخرى
22 يوليو 2018
03 ديسمبر 2017
08 اغسطس 2017