22 يوليو 2018
الموقف الأميركي في سورية
على الرغم من مرور سبع سنوات ونصف على اندلاع الأزمة السورية، فإن صانع القرار الأميركي، لم يتمكن إلى يومنا هذا، من إقناع نفسه بضرورة أن يتبنى سياسة متكاملة تجاه سورية، والمشاركة بفعالية في رسم معالم مستقبلها، بعد أن تخمد نار الصراع القائم. واللافت أنّ قلة الاهتمام، أو اللامبالاة الأميركية، لم ترتبط بطبيعة الإدارة الممسكة بزمام الأمور في البيت الأبيض، على الرغم من الاختلاف الجزئي في لهجتها، أو بعض التفاصيل هنا وهناك، لكن جوهر السياسة الأميركية تجاه الملف السوري هو الذي لم يختلف منذ اليوم الأول.
عندما دعا الرئيس السابق، باراك أوباما، الدكتاتور بشار الأسد، للتنحي في أغسطس/ آب 2011، اعتقد الجميع أن الأمر المستفتى فيه قد قضي، أي أن تغيير النظام في سورية بات مسألة وقت لا أكثر، في سياق الحراك الكبير الذي عرفته المنطقة في تلك الفترة، غير أن التطوّر المنتظر لم يحدث في سورية، على الرغم من المحطات الكثيرة التي بدا فيها سقوط الأسد وشيكا بين عامي 2012 و2015، ليتضح جليا بأن أميركا، وببساطة، تبدو مثل فتاة غير مهتمة بالدعوات الموجهة إليها، لأنها لم تجد مصلحة استراتيجية ملموسة وجاهزة، يمكن أن تغريها للتدخل بجدية في الموضوع، لذا لا داعي للمحاولة معها، ما دام أنها لم تجد مبرّرا من جنس الحرص على أمن إسرائيل ووضع الطاقة. فمن جهة، لا يشكل الأسد خطرا على الدولة العبرية، بل يمكن أن يستغل حاجزا يمنع التهديد الذي تشكله التنظيمات المتطرفة السنية والشيعية. ومن جهة أخرى، تغني ثورة النفط الصخري في أميركا، وذكريات تجربة العراق، الساسة الأميركان عن الحماس لجعل سورية في الفلك الأميركي بأي ثمن، على الرغم من موقعها الاستراتيجي الفريد الذي دفع واشنطن يوما إلى التنافس مع البريطانيين والسوفيات حولها في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته.
لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة معجبة ببشار الأسد، أو أنها لا تتمنى قيام نظام ديموقراطي عصري موال لها في دمشق، نظام يمكّنها من حظوة الموقع الذي تتميز به سورية على صعيد الشرق الأوسط، إذ أيامل معظم الأميركيين أن يأتي يوم ويستيقظون فيه على جملة من الأخبار تتضمن إطاحة نظام الأسد وتقديم مجرمي الحرب إلى العدالة، وإجراء انتخابات تعدّدية يفوز بها التيار العلماني الديموقراطي، غير أنّ المعضلة أنهم غير مستعدين للمساهمة الفعالة في تحقيق هذا الطموح.
أكثر من ذلك، لا بد أن نعترف أيضا بأن "اللامبالاة" الاستراتيجية الأميركية لم تمنعها من وضع مقادير الخلطة المؤدية إلى التغيير في سورية، حيث قدّمت دعما محدودا للمعارضة، بشقيها السياسي والمسلح، ليس لمراعاة الالتزام الأخلاقي تجاه قضية الشعب السوري، لأنه دعم غير حاسم فشل في إيقاف المذبحة المستمرة، إنما هو الطريقة التي مكّنت الأميركيين من مراقبة الأزمة، ومنعها من الانحراف نحو مآلات تهدّد مصالحهم، حيث تحوّل الموقف إلى نوع من الترقب والاقتناص، على طريقة "ننتظر ونرى"، فأصبحت الولايات المتحدة تتحرك وفق المتغيرات، وتطوّر سياستها ببطء، بناءً على المتحولات. مثلا أتاحت أسلمة الثورة وقيام "داعش" الفرصة لإيجاد موطئ قدم على الأرض السورية، تحت غطاء مبرّر ومتوافق عليه دوليا، مثل مكافحة الإرهاب.
وفي السياق نفسه، وجدت في الكرد حليفا محليا يمكن أن تعتمد عليه مستقبلا، بعيدا عن طرفي الصراع الأساسيين، أي النظام البعثي العلوي ومعارضيه من الأغلبية العربية السنية. ورأت أميركا في التدخل الروسي فرصة للتخلص من المتطرفين، وتحقيق نوع من الاستقرار، من دون التورط في المستنقع على المدى الطويل، بينما يعطيها منع التمدد الإيراني فرصة لإدارة مخاوف حلفائها والبقاء وقتا أطول في المناطق التي سيطرت عليها ضمن تحالف محاربة داعش في شرق وشمال شرق سورية، والتي قد تتحوّل إلى قاعدة ثابتة للتحرّكات الأميركية ضمن الخطوط التي رسمتها، ومنها الخط الأحمر المتعلق باستعمال نظام الأسد الأسلحة الكيميائية المؤدي إلى رد عسكري، تجتمع حوله واشنطن مع حلفائها الغربيين والعرب، وسيلة ضغط محتملة تدفع نحو الانتقال السياسي وفق رؤيتهم التي تهدف إلى تفكيك النظام الأسدي، قطعة قطعة، بطرق غير ثورية عبر الدستور والانتخابات واللامركزية.
لا أحد يعلم كيف ستكون النهاية في سورية، فلا ضمانات لنجاح الرؤية الأميركية، ما دام أنها مستمرّة في اعتمادها على ردود الأفعال والتكيف مع الظروف. وحتى إن كانت النتيجة النهائية المرجوة واحدة، فغياب الخطة المنهجية والاستراتجية المتكاملة يجعل عدم اليقين هو المنطق السائد حتى إشعار آخر.
عندما دعا الرئيس السابق، باراك أوباما، الدكتاتور بشار الأسد، للتنحي في أغسطس/ آب 2011، اعتقد الجميع أن الأمر المستفتى فيه قد قضي، أي أن تغيير النظام في سورية بات مسألة وقت لا أكثر، في سياق الحراك الكبير الذي عرفته المنطقة في تلك الفترة، غير أن التطوّر المنتظر لم يحدث في سورية، على الرغم من المحطات الكثيرة التي بدا فيها سقوط الأسد وشيكا بين عامي 2012 و2015، ليتضح جليا بأن أميركا، وببساطة، تبدو مثل فتاة غير مهتمة بالدعوات الموجهة إليها، لأنها لم تجد مصلحة استراتيجية ملموسة وجاهزة، يمكن أن تغريها للتدخل بجدية في الموضوع، لذا لا داعي للمحاولة معها، ما دام أنها لم تجد مبرّرا من جنس الحرص على أمن إسرائيل ووضع الطاقة. فمن جهة، لا يشكل الأسد خطرا على الدولة العبرية، بل يمكن أن يستغل حاجزا يمنع التهديد الذي تشكله التنظيمات المتطرفة السنية والشيعية. ومن جهة أخرى، تغني ثورة النفط الصخري في أميركا، وذكريات تجربة العراق، الساسة الأميركان عن الحماس لجعل سورية في الفلك الأميركي بأي ثمن، على الرغم من موقعها الاستراتيجي الفريد الذي دفع واشنطن يوما إلى التنافس مع البريطانيين والسوفيات حولها في أربعينات القرن الماضي وخمسيناته.
لكن هذا لا يعني أن الولايات المتحدة معجبة ببشار الأسد، أو أنها لا تتمنى قيام نظام ديموقراطي عصري موال لها في دمشق، نظام يمكّنها من حظوة الموقع الذي تتميز به سورية على صعيد الشرق الأوسط، إذ أيامل معظم الأميركيين أن يأتي يوم ويستيقظون فيه على جملة من الأخبار تتضمن إطاحة نظام الأسد وتقديم مجرمي الحرب إلى العدالة، وإجراء انتخابات تعدّدية يفوز بها التيار العلماني الديموقراطي، غير أنّ المعضلة أنهم غير مستعدين للمساهمة الفعالة في تحقيق هذا الطموح.
أكثر من ذلك، لا بد أن نعترف أيضا بأن "اللامبالاة" الاستراتيجية الأميركية لم تمنعها من وضع مقادير الخلطة المؤدية إلى التغيير في سورية، حيث قدّمت دعما محدودا للمعارضة، بشقيها السياسي والمسلح، ليس لمراعاة الالتزام الأخلاقي تجاه قضية الشعب السوري، لأنه دعم غير حاسم فشل في إيقاف المذبحة المستمرة، إنما هو الطريقة التي مكّنت الأميركيين من مراقبة الأزمة، ومنعها من الانحراف نحو مآلات تهدّد مصالحهم، حيث تحوّل الموقف إلى نوع من الترقب والاقتناص، على طريقة "ننتظر ونرى"، فأصبحت الولايات المتحدة تتحرك وفق المتغيرات، وتطوّر سياستها ببطء، بناءً على المتحولات. مثلا أتاحت أسلمة الثورة وقيام "داعش" الفرصة لإيجاد موطئ قدم على الأرض السورية، تحت غطاء مبرّر ومتوافق عليه دوليا، مثل مكافحة الإرهاب.
وفي السياق نفسه، وجدت في الكرد حليفا محليا يمكن أن تعتمد عليه مستقبلا، بعيدا عن طرفي الصراع الأساسيين، أي النظام البعثي العلوي ومعارضيه من الأغلبية العربية السنية. ورأت أميركا في التدخل الروسي فرصة للتخلص من المتطرفين، وتحقيق نوع من الاستقرار، من دون التورط في المستنقع على المدى الطويل، بينما يعطيها منع التمدد الإيراني فرصة لإدارة مخاوف حلفائها والبقاء وقتا أطول في المناطق التي سيطرت عليها ضمن تحالف محاربة داعش في شرق وشمال شرق سورية، والتي قد تتحوّل إلى قاعدة ثابتة للتحرّكات الأميركية ضمن الخطوط التي رسمتها، ومنها الخط الأحمر المتعلق باستعمال نظام الأسد الأسلحة الكيميائية المؤدي إلى رد عسكري، تجتمع حوله واشنطن مع حلفائها الغربيين والعرب، وسيلة ضغط محتملة تدفع نحو الانتقال السياسي وفق رؤيتهم التي تهدف إلى تفكيك النظام الأسدي، قطعة قطعة، بطرق غير ثورية عبر الدستور والانتخابات واللامركزية.
لا أحد يعلم كيف ستكون النهاية في سورية، فلا ضمانات لنجاح الرؤية الأميركية، ما دام أنها مستمرّة في اعتمادها على ردود الأفعال والتكيف مع الظروف. وحتى إن كانت النتيجة النهائية المرجوة واحدة، فغياب الخطة المنهجية والاستراتجية المتكاملة يجعل عدم اليقين هو المنطق السائد حتى إشعار آخر.
مقالات أخرى
03 ديسمبر 2017
08 اغسطس 2017
27 يونيو 2017