حصل الروائي المصري البريطاني عمر روبرت هاملتون على "جائزة الأدب العربي" التي يمنحها "معهد العالم العربي" في باريس عن روايته الأولى "المدينة تنتصر دائماً" (2017) الصادرة عن دار "فيبر آند فيبر" في بريطانيا، والتي ترجمت مؤخراً إلى الفرنسية بتوقيع سارة غورسل وصدرت عن دار "غاليمار"، ومن المفترض أن الرواية قيد الترجمة حالياً إلى العربية.
يبدأ العمل من لحظة أحداث "الأحد الدامي"، في ماسبيرو التي راح ضحيتها ما يقارب 35 مواطناً مصرياً قبطياً على يد قوات الشرطة العسكرية، في تشرين الأول/أكتوبر 2011، وقد بدأ هاملتون المخرج السينمائي في الأساس وكاتب المقالات، في الاشتغال على الرواية في صيف 2014، بعد عام من الانقلاب العسكري، مدفوعاً بحاجته إلى توثيق ما عاش وشهد أثناء مشاركته في "ثورة 25 يناير".
تمتلئ الرواية بتلك اللحظات التي ينطفئ فيها كل شيء أو ينغلق الأفق؛ الفضاء العام محفوف بالخوف والعيون، وثمة خيبة متواصلة تحيق بأي شكل من المشاركة السياسية، هذه هي الأجواء التي سادت في أعقاب الثورة. تلك هي نقطة الانطلاق التي بدأ منها هاملتون.
يقول المؤلف في حديث سابق: "شعرت في تلك الفترة أنني غير قادر على التفكير بالمطلق، وكانت هناك حالة من الاكتئاب العام مخيّمة على الجميع". كان هاملتون يعتقد أنه سينجز فيلماً، فقد كانت لديه مادة بصرية كبيرة صوّرها أثناء وجوده في قلب الأحداث، لكن شعر لاحقاً أنه أمام مادة ليست بصرية وحسب، ومعها أسئلة لم يجب عليها بعد، وأنه يريد قول أشياء كثيرة بأصوات متعددة، فجعل من الرواية خياره، رغم أنه لم يتخل عن عينه السينمائية وملاحظات الناشط السياسي والصحافي أحياناً.
تأتي الرواية في ثلاثة أجزاء؛ "غداً"، و"اليوم"، و"أمس"، والقصة لم تعد قصة الانتصار الأول، بل عما وقع فعلاً بعد ذلك وعن سير الأحداث إلى الأسوأ. مثلاً تتوقف الرواية عند يوم 23 شباط/فبراير 2013، وهي فترة عرفت أحداث الشغب والحرق ومظاهرات الأمن المركزي. في تلك الفترة بدأ يتضح وجود فشل سياسي ذريع، وأن الأشياء التي قامت الثورة لتغييرها لم تتغيّر، ويبدو أنها لن تتغير في وقت قريب، ومن ثمّ سادت الفوضى بسبب الأخبار المتناقلة على وسائط التواصل الاجتماعي وخلقت البلبلة.
يقول هاملتون على لسان خليل، الشخصية الأساسية في العمل: "تحتاج إلى الانضباط لتربح الحرب، وإلى الفوضى لتربح التمرّد". يقارن العمل بين اهتمام الإعلام واحتفائه بالثوار وفضح كل ممارسات قمعهم، ثم تجاهلهم لاحقاً ولكل ما حدث بعد أن فرغ الميدان، ثم وصول الإسلاميين إلى الحكم والانقلاب عليهم، في وقت لم تعد القاهرة وأهلها مادة مثيرة للعالم، والذين قتلوا وعذبوا بعد "التحرير" لم يجدوا من يتكلم عنهم.
ثمة عدة شخصيات في العمل، أبرزهما مريم وخليل؛ مريم ناشطة، وخليل مخرج أفلام، يقعان في الحب بالتزامن مع الثورة ويؤسسان مجموعة "فوضى" التي تضم إعلاميين شبابا هم شخصيات أخرى في الرواية؛ روزا ورانيا ومالك وحافظ، لكن حبهما ينتهي مع "نهاية كل شيء آخر".
يقول هاملتون إنه كان حذراً من أن يجد القارئ في خليل قناعاً لسيرة الكاتب نفسه، وأنه هو نفسه كان يقاوم أن يكون الأمر كذلك، واستغرق الأمر وقتاً طويلاً حتى تمكّن الكاتب من "طلاق" الشخصية، وفقاً لتعبيره، وتأليف رواية عن المصريين في تلك السنوات المعقدة، من خلال شخصيات مختلفة في أوقات مختلفة.
ينقسم الراوي في العمل بين السارد الخارجي والآخر الداخلي، حيث يكشف المونولوغ عن سيكولوجيا الشخصيات، لذلك سرعان ما ينتقل الحوار من المناجاة الداخلية إلى تعدد الأصوات وبالعكس، يساعد في ذلك اللعب بالزمن والتحرك من المستقبل إلى الماضي وليس العكس، بحيث يبدأ القارئ شيئاً فشيئاً يفهم كيف وصلت الشخصيات إلى هذه الحالة من خلال العودة إلى الوراء بالتدريج مع النص، وهنا لا يقتصر الأمر على فهم سيكولوجيا الفرد، بل يقدّم لنا هذا النوع من الكتابة قراءة في سيكولوجيا الجموع في اللحظات الكبرى من تاريخها.