01 فبراير 2019
علي أومليل وأسئلة المرحلة
كيف يقرأ المثقف العربي التحولات المتسارعة للوضع الإقليمي، في لحظة غير مسبوقة على مستوى منسوب المخاطر وقوة التحديات؟ إنه السؤال الذي قاد، قبل أيام، عديدين إلى ندوة جمعية المشروع الجديد في أمسية باردة في الرباط، للإنصات إلى مفكر مغربي مقلّ في الحضور العمومي، هو علي أومليل.
انطلق صاحب "الإصلاحية والدولة الوطنية" من الوقوف على مفارقة المرحلة الموالية للربيع العربي، المتمثلة في التوتر الناجم عن زمنين مختلفين: زمن الثورة وزمن ما بعد الثورة. يتميز الأول بالسرعة والكثافة وانتصار الإرادة، فيما الثاني، زمن تدبير المطالب الاقتصادية والاجتماعية المتفجرة، يبقى طويلا ومديدا ومعقدا، وأنتج الخلط بين الزمنين سوء فهم كثير.
بين الزمنين يتغير كذلك مفهوم الشعب. خلال الثورة تسود صورة الشعب المنسجم والموحد وراء هدف واضح. بعد ذلك، تنتصر صورة الشعب المتعدد والحامل للتناقضات.
صعود الإسلاميين إلى الحكم كان في الأساس راجعاً إلى عدم جاهزية باقي مكونات الحياة الحزبية، لكنه حمل معه عودة هياكل المجتمع التقليدي وثقافته، وهو ما جعل التحول، في بعض مضامينه، يصبح ارتداداً للمجتمع إلى ما دون السياسة، وارتداداً للشعب إلى ما دون الدولة. ذلك ما يفسر، بالنسبة لصاحب "شرعية الاختلاف"، تشاؤم المثقفين تجاه الديمقراطية، لأن الشعبوية هي من انتصر في النهاية. إنها آفة الديمقراطية، خصوصاً عندما باتت تستند إلى وسائط التواصل الاجتماعي، حيث ملايين المجهولين يتبادلون آراء وأفكارا يختلط فيها الخطأ بالصواب. أخطر ما في الشعبوية اليمينية هي إعادة النظر في المقومات المرجعية لحقوق الإنسان.
بالتأكيد، ليس هذا هو التحدي الوحيد الذي تواجهه ثقافة حقوق الإنسان، ذلك أن انهيار الكيانات الدولتية، وسطوة الإرهاب، وتهديد الحق الشخصي في الأمن، كلها عوامل تجعل الطلب على الدولة الأمنية يقدم على الطلب على الدولة الديمقراطية.
يدعو هذا كله إلى إعادة بناء نموذج فكري جديد لحقوق الإنسان. لماذا إذن لم تتحقق شعارات الربيع العربي؟ يجيب علي أومليل إن سقوط الاستبداد لم يوازِه بناء للديمقراطية خارج الاستثنائي التونسي الذي انتصر على تحدياته الاقتصادية والأمنية، بسبب الإرث البورقيبي، على أصعدة الدولة العلمانية والتعليم الحديث وتحرير المرأة وتوسيع الطبقة الوسطى، ملمحاً إلى مركزية العوامل الثقافية والاجتماعية في دعم مسلسل التحول المعقد نحو الديمقراطية.
ضمن هذا الأفق، يطرح أومليل فكرة الإصلاح الديني التي يعترف بأنها دعوة قديمة يحتفظ بها سجل الفكر العربي المعاصر منذ قرنين على الأقل، لكنه يؤكد أن الدوافع اليوم مختلفة وأكثر حيوية أمام غلو المتشددين وتنامي ظاهرة الإرهاب الذي ترتبط أسبابه أساسا بالثقافة الدينية، وليس بطبيعة الأوضاع الاجتماعية.
تجديد ديني يمكنه أن يشكل إعادة بناء مشروع إصلاحي عميق، يجب أن يبدأ بالمدرسة، ويعيد تعريف مطلب التعددية، دلالة على تعدد مدني وسياسي، وليس كإعادة إنتاج تعدد المجتمع العتيق إثنياً وثقافياً. تعدد يجد أساسه في المواطن الفرد، وليس في الجماعات الهوياتية التقليدية. ما يسمح، في النهاية، داخل مجتمع حديث، بإمكانية التداول على السلطة، لأن هناك إمكانية لتغير مواقع الأغلبية والأقلية، عكس المجتمع التقليدي، حيث الأغلبية دائمة والأقلية كذلك.
البعد الأخير الذي يقترحه علي أومليل، ضمن عناصر التفكير في أجوبة جديدة على أسئلة المرحلة، يرتبط، في تقديره، بإعادة النظر في الدولة الوطنية القائمة، بوصفه منطلقا للإصلاح، في أفق تحويلها إلى دولةٍ للقانون والمؤسسات، وهو ما يعني الحاجة إلى تجاوز النظرة التي التصقت بها، من جهة، جراء سلطوية الأنظمة السياسية وانعدام الديمقراطية داخلها. ومن جهة أخرى، تحت تأثير الأيديولوجيات العربية المعاصرة التي لطالما توحدت في الإقرار بعدم شرعية الكيانات الوطنية، سواء باعتبارها إرثا استعماريا، أو انحرافا عن دولة "الخلافة" المنتظرة، أو مجرد أداة للهيمنة الطبقية.
إعادة بناء فكري لمنظومة حقوق الإنسان، طرح التجديد الديني أولوية لمشروع إصلاحي عميق، يهتم بالأبعاد الثقافية والاجتماعية للتحول، ثم إعادة الاعتبار للدولة الوطنية أساسا للتغيير الديمقراطي، تلك هي عناوين المشروع القادر على التفاعل مع تحديات اللحظة العربية، بالنسبة لعلي أومليل. عناوين لا شك في أنها تستحق النقاش والحوار، ليس فقط مما تم طرحه خلال الندوة المذكورة فحسب، ولكن أساساً انطلاقاً من عناصر المشروع الفكري لهذا المثقف المغربي.
انطلق صاحب "الإصلاحية والدولة الوطنية" من الوقوف على مفارقة المرحلة الموالية للربيع العربي، المتمثلة في التوتر الناجم عن زمنين مختلفين: زمن الثورة وزمن ما بعد الثورة. يتميز الأول بالسرعة والكثافة وانتصار الإرادة، فيما الثاني، زمن تدبير المطالب الاقتصادية والاجتماعية المتفجرة، يبقى طويلا ومديدا ومعقدا، وأنتج الخلط بين الزمنين سوء فهم كثير.
بين الزمنين يتغير كذلك مفهوم الشعب. خلال الثورة تسود صورة الشعب المنسجم والموحد وراء هدف واضح. بعد ذلك، تنتصر صورة الشعب المتعدد والحامل للتناقضات.
صعود الإسلاميين إلى الحكم كان في الأساس راجعاً إلى عدم جاهزية باقي مكونات الحياة الحزبية، لكنه حمل معه عودة هياكل المجتمع التقليدي وثقافته، وهو ما جعل التحول، في بعض مضامينه، يصبح ارتداداً للمجتمع إلى ما دون السياسة، وارتداداً للشعب إلى ما دون الدولة. ذلك ما يفسر، بالنسبة لصاحب "شرعية الاختلاف"، تشاؤم المثقفين تجاه الديمقراطية، لأن الشعبوية هي من انتصر في النهاية. إنها آفة الديمقراطية، خصوصاً عندما باتت تستند إلى وسائط التواصل الاجتماعي، حيث ملايين المجهولين يتبادلون آراء وأفكارا يختلط فيها الخطأ بالصواب. أخطر ما في الشعبوية اليمينية هي إعادة النظر في المقومات المرجعية لحقوق الإنسان.
بالتأكيد، ليس هذا هو التحدي الوحيد الذي تواجهه ثقافة حقوق الإنسان، ذلك أن انهيار الكيانات الدولتية، وسطوة الإرهاب، وتهديد الحق الشخصي في الأمن، كلها عوامل تجعل الطلب على الدولة الأمنية يقدم على الطلب على الدولة الديمقراطية.
يدعو هذا كله إلى إعادة بناء نموذج فكري جديد لحقوق الإنسان. لماذا إذن لم تتحقق شعارات الربيع العربي؟ يجيب علي أومليل إن سقوط الاستبداد لم يوازِه بناء للديمقراطية خارج الاستثنائي التونسي الذي انتصر على تحدياته الاقتصادية والأمنية، بسبب الإرث البورقيبي، على أصعدة الدولة العلمانية والتعليم الحديث وتحرير المرأة وتوسيع الطبقة الوسطى، ملمحاً إلى مركزية العوامل الثقافية والاجتماعية في دعم مسلسل التحول المعقد نحو الديمقراطية.
ضمن هذا الأفق، يطرح أومليل فكرة الإصلاح الديني التي يعترف بأنها دعوة قديمة يحتفظ بها سجل الفكر العربي المعاصر منذ قرنين على الأقل، لكنه يؤكد أن الدوافع اليوم مختلفة وأكثر حيوية أمام غلو المتشددين وتنامي ظاهرة الإرهاب الذي ترتبط أسبابه أساسا بالثقافة الدينية، وليس بطبيعة الأوضاع الاجتماعية.
تجديد ديني يمكنه أن يشكل إعادة بناء مشروع إصلاحي عميق، يجب أن يبدأ بالمدرسة، ويعيد تعريف مطلب التعددية، دلالة على تعدد مدني وسياسي، وليس كإعادة إنتاج تعدد المجتمع العتيق إثنياً وثقافياً. تعدد يجد أساسه في المواطن الفرد، وليس في الجماعات الهوياتية التقليدية. ما يسمح، في النهاية، داخل مجتمع حديث، بإمكانية التداول على السلطة، لأن هناك إمكانية لتغير مواقع الأغلبية والأقلية، عكس المجتمع التقليدي، حيث الأغلبية دائمة والأقلية كذلك.
البعد الأخير الذي يقترحه علي أومليل، ضمن عناصر التفكير في أجوبة جديدة على أسئلة المرحلة، يرتبط، في تقديره، بإعادة النظر في الدولة الوطنية القائمة، بوصفه منطلقا للإصلاح، في أفق تحويلها إلى دولةٍ للقانون والمؤسسات، وهو ما يعني الحاجة إلى تجاوز النظرة التي التصقت بها، من جهة، جراء سلطوية الأنظمة السياسية وانعدام الديمقراطية داخلها. ومن جهة أخرى، تحت تأثير الأيديولوجيات العربية المعاصرة التي لطالما توحدت في الإقرار بعدم شرعية الكيانات الوطنية، سواء باعتبارها إرثا استعماريا، أو انحرافا عن دولة "الخلافة" المنتظرة، أو مجرد أداة للهيمنة الطبقية.
إعادة بناء فكري لمنظومة حقوق الإنسان، طرح التجديد الديني أولوية لمشروع إصلاحي عميق، يهتم بالأبعاد الثقافية والاجتماعية للتحول، ثم إعادة الاعتبار للدولة الوطنية أساسا للتغيير الديمقراطي، تلك هي عناوين المشروع القادر على التفاعل مع تحديات اللحظة العربية، بالنسبة لعلي أومليل. عناوين لا شك في أنها تستحق النقاش والحوار، ليس فقط مما تم طرحه خلال الندوة المذكورة فحسب، ولكن أساساً انطلاقاً من عناصر المشروع الفكري لهذا المثقف المغربي.