عقدة "الآخر"

18 يونيو 2014
اختار عديدون العيش خلف "خطوط تماس" لا تقبلهم (Getty)
+ الخط -

في أعلى الصفحة خانتان تختصران "الآخر" (المسلم والمسيحي)، اللبنانيّان اللذان قادا الحرب الأهلية (1975 ــ 1990) طيلة 15 عاماً. كان على المشاركين في ورشة العمل حول "المواطَنة" وضع الصفات التي تختصر السلوك الاجتماعي لكلٍّ منهما، بحسب نظرة المجتمع.

بدت عملية التصنيف سهلة. اكتفى المشاركون بنقل ما دار ويدور في رؤوسهم إلى هذه الورقة، التي كشفت عن عقدة ذات وجهين: "تفوّق" مسيحي، و"نقص" مسلم. عقدةٌ تجلّت بالاعتماد على معايير قد تكون "طبقية" ونمطيّة في الحكم. من بينها تمكُّن الطائفة المسيحيّة من اللغات، واهتمام أبنائها بأناقتهم، بعكس الأخرى، من دون تعميم. حتى أنه يمكن النظر إلى معظم "إنجازات" الطائفة المسلمة، وكأنها محاولة لمواكبة "تفوّق" نظيرتها المسيحية.       

كان المقصود من تعبئة الخانتين التأكيد على تشابه "الآخر" في لبنان، لتكون "الأحكام المسبقة" وحدها المسؤولة عن هذه "العقدة" وغيرها الكثير. علماً أنها لم تكن أكثر من تفريغٍ للوعي. أعادَ بعض المشاركين ترتيبه طمعاً في "المواطنيّة". على الأقل، عرفوا أن المحجبة لا تنزل إلى حوض السباحة والحجاب على رأسها.

لكن سنوات ما بعد الحرب "غرّبت" بعض أبناء الطائفة الواحدة عن بيئتهم الطائفية، نتيجة انخراطهم مع الآخر، فاختاروا العيش خلف "خطوط تماس" بين بيئتين لا تقبلانهم، إلّا من خلال ابتساماتٍ باردة. لكن الانتقال من بيئة طائفية إلى أخرى لا يقتصرُ على تحميل المفروشات والأغراض الشخصية والثياب إلى المكان الجديد. فالباحث عن مسكنٍ في غير منطقتِه قد يتحول في كثير من الأحيان إلى مؤرخ ومحلل سياسي وعالم نفس اجتماعي. فالنتائج ستكون بوصلته حتماً إلى تحديد موقف هذه المنطقة منه خلال السنوات المقبلة. بدوره، لا يتردد صاحب أي شقة معروضة للبيع أو الإيجار، عن كبت ذلك السؤال الذي ينخر رأسه كمرضٍ خبيثٍ، حين يأتي إليه زبون. فـ"طائفة" المستأجرِ أو الشاري ليست تفصيلاً في المعادلة، وقد تُغيِّر مع الوقت التركيبة الديموغرافية "المُتّفق" عليها للبلد. لهذا، اتّخذت بعض البلديات قراراً بتعليق البيع للطوائف الأخرى. وكان ذلك معلناً في عدد منها.

قرارُ المواجهة هذا لن ينتهي حتماً. قد يألفك سكان "المنطقة الجديدة" التي قررت "الانتساب" إليها، لكنك ستظل في عيونهم ذلك "الآخر" الجيد، الذي نجح في التشبّه بهم. أما أنت، فقد تخشى من "كثرتهم". وستسعى إلى انتقاء كلماتك.

وستبتسم حين يخبرك سائق التاكسي أنه لا يذهب إلى المنطقة الثانية. حتى جميع الأبحاث التي أجريتها قد لا تقيك شرّ هذه "العقدة" الاجتماعية التي انغمست فيها، بعدما أُحكِمَ عقْدُها.

دلالات
المساهمون