عقبات في طريق قيس سعيّد

16 نوفمبر 2019
+ الخط -
في خضم الفرح بفوز الأستاذ الجامعي، قيس سعيّد، برئاسة تونس، والذي يعتبر فوزا للشعب التونسي على تحالف الثورة المضادة في المنطقة بقيادة الإمارات، وفي الوقت نفسه، نجاة مرحلية من الفخ الذي وقعت فيه الجارة الجزائرية ومن قبلها مصر. نجاح الرجل وقدومه من خارج البنى السياسية التقليدية للسياسة التونسية دليل على قوة الشعب ووعيه، وأنه من خلال الديمقراطية أداةً استطاع معاقبة السياسيين جميعا. وفي الوقت نفسه، هناك فرحة عارمة بين الشعوب العربية التي تتوق للحرية بهذه التجربة الديمقراطية العربية اليتيمة بين الدول العربية، ونتمنّى أن يلحق بها الشعب السوداني. وبعد متابعة مجريات الأمور في تونس، يبدو أن عقبات ضخمة ستواجه الرئيس التونسي المنتخب، وإذا لم ينتبه لها فإن عواقبها ستكون كارثية، فأعداء الشعوب والديمقراطية متربصون دائما. 
الأولى: هذه المرة الأولى التي تتحول فيها تونس إلى النظام البرلماني، وبالتالي لا بد أن يكون للرئيس حليف سياسي حزبي يستند إليه، من خلاله يتم صنع التفاهمات بينهما، والتأكيد على آلية اتخاذ القرار، حتى لا يكون هناك نزاع بين صلاحيات رئيس الدولة ورئيس الحكومة، وألا يسبب ذلك أزمةً بين الأجهزة الأمنية مثلا التي قد تحتار في ولائها للرئيس أم لرئيس الحكومة. الآن وبعد المفاوضات التي أفضت إلى توافق غير منتظر بين حركة النهضة (52 مقعدا) وحزب قلب تونس (38 مقعدا) ومعهما كتلة ائتلاف الكرامة (21 مقعدا) وكتلة الإصلاح الوطني (16
 مقعدا) من أجل التصويت لزعيم "النهضة"، راشد الغنوشي، ليكون رئيسا لمجلس النواب (البرلمان)، بعد هذا التوافق غير المنتظر مع "قلب تونس"، هل ستتحالف مع الرئيس التونسي؟ أم أنهم سيستمرّون في تفاهماتهم مع هذا الحزب، والذي قد يدعم مرشح "النهضة" لرئاسة الحكومة؟ أتوقع أنهم سيشكلون الأغلبية داخل الحكومة بعد هذا التوافق الذي أسفر عن انتخاب الغنوشي رئيسا للبرلمان. و"النهضة" قادرة على إيجاد تلك التوافقات بشأن تشكيل الحكومة، لأنهم مدركون الأزمة التي قد تحدث في حالة عدم الاتفاق وعواقبها، بالذهاب إلى انتخابات برلمانية جديدة، وأتصوّر أنهم أكثر ديمقراطية وفهما من إسلاميي مصر.
الثانية: حتى اللحظة، ليس هناك برنامج سياسي واضح للرئيس التونسي، قيس سعيد، يستطيع من خلاله تحديد أبعاد السياسة الخارجية والداخلية التي سيؤسس على أساسها تحرّكاته. هو يستند فقط إلى أمرين: في السياسة الخارجية، في ما يتعلق بمسألة التطبيع مع إسرائيل، وهذا يجعله في مرمى النيران من إسرائيل وحلفائها في المنطقة والحكومات الغربية. وفي ما يتعلق بالأمر الداخلي، خاصة بالسياسات الاقتصادية. صحيح أن الحكومة هي المنوط بها رسم السياسة الداخلية، ولكن ليست واضحةً بعد معالم الخطة التي سيسير عليها.
العقبة الثالثة مرتبطة بالثانية: يرفع الرئيس قيس سعيد شعار استقلال القرار الوطني، بما يعني خروجه عن الهيمنة التاريخية لفرنسا، والسير في كنفها، وهذا جديد نسبيا إلى تونس، فبعد الاستقلال عن فرنسا لم تعش تونس تجربة حل مشكلاتها السياسية، بعيدا عن كنف المستعمر الفرنسي السابق، وهيمنته الباقية. قال الرجل ذلك، ولكن ما هي الآلية والطريقة التي سيتبعها لفعل ذلك؟ وهل هناك تصور واضح لتطبيقه؟
الرابعة: لو يترك الرئيس سعيد الخطابات الارتجالية، وأن يكون لديه فريق عمل ومستشارون 
ينتقلون بالخطاب إلى خطاب واضح المعالم والأسس، بمعنى أن يكون خطابه أكثر مؤسّسية عما كان عليه. لأن عدم تركه تلك الخطابات الارتجالية سيورّطه في أخطاء كثيرة، وقد يحوله إلى مادة مرعبة من السخرية على طريقة الرئيس المصري السابق محمد مرسي رحمه الله، أو على طريقة من يحكم مصر الآن.
الخامسة: قدرة الرئيس على إيجاد التوافقات بين المعسكرات المختلفة، حتى لا تكون هناك حالة من الاستقطاب بين المعسكرات المختلفة، تنعكس على الرجل وأدائه، فما هي خطته وتصوراته لذلك؟ وهل سيكون قادرا على فرض وجهة نظره، أم أنه سيكون غالبا معزولا، لا يدري شيئا عن الدولة وما فيها، ويكون حبيس القصر.
قطعت تونس مرحلة مهمة، والمتمنى أن تستمر في تحولاتها الديمقراطية، فهذه أفضل من المسار الانقلابي العسكري الذي اتخذته مصر. وليس لدى الكاتب قلق من الخطابات التي تخرج من هنا وهناك، تصف الرئيس التونسي بالرجعية، وذلك على الأرجح بسبب أن خطاب الرجل جامد، نظرا لأنه أكاديمي يعمل في الحقل القانوني. وبصفتي أكاديميا أعرف أن الأكاديميين بطبيعتهم جامدون في لغتهم. وكما أن المجتمع التونسي مترسّخة فيه قيم العلمانية، وبنيته متجاوزة أي تصور إسلامي، لا يفصل بين الدين والسياسة. لكنّ هناك سؤالا مهما طرحته طبيعة التوافق غير المتوقع، والذي تم بين حزب قلب تونس وحركة النهضة، ومعروف العداء بينهما، فالحركة كانت قد أيدت حبس رئيس الحزب، نبيل القروي، بشبهة الفساد، وخاض الطرفان معارك ضد بعضهم بعضا في الانتخابات: هل الثمن المتوقع لهذا الاتفاق إغلاق ملف الملاحقة القضائية للقروي؟ وهل هناك اتفاق مسبق على ذلك؟ وهل سيدعم القروي مرشح "النهضة" لتشكل الحكومة؟ وهل سيستفيد من ذلك ليجهز نفسه للانتخابات الرئاسية القادمة، وما هي انعكاسات ذلك كله على أداء الرئيس التونسي الحالي. ستجيب على كل هذه الأسئلة الأيام المقبلة.
BA733789-23B4-4A69-9D4A-CB7E100A9A4B
تقادم الخطيب

أكاديمي، باحث مصري في جامعة برلين، مشارك في الحراك السياسي المصري منذ 2006؛ ومسؤول ملف الاتصال السياسي في الجمعية الوطنية للتغيير سابقاً.