بعد ست سنوات من الاضطرابات السياسية والأمنية وتراجع مكانة روسيا الاقتصادية في مصر والمغرب العربي، تسعى موسكو لإعادة إحياء تعاونها مع البلدان التي طاولها "الربيع العربي"، وفي مقدمتها ليبيا ومصر وتونس.
وعلى مدى السنوات الماضية خسرت الشركات الروسية العاملة في ليبيا مشاريع تزيد قيمتها عن أربعة مليارات دولار، جراء تعليق العقود المبرمة في عهد العقيد معمر القذافي، بينما أدت الاضطرابات في مصر إلى إرجاء مشاريع كبرى مثل إنشاء أول محطة نووية في منطقة الضبعة على الساحل الشمالي الغربي للبلاد والبالغة كلفتها نحو 30 مليار دولار.
لكن مجلة فورين أفيرز الأميركية، نشرت مقالا في أبريل/نيسان الماضي، قالت فيه إن غزواً اقتصادياً وعسكرياً تقوم به روسيا في شمال أفريقيا بهدوء، بينما ينشغل العالم بقضية التدخلات الروسية في أميركا وأوروبا.
ولم تستثن المجلة أيا من الدول العربية الخمس في شمال أفريقيا، والتي تراها موسكو ذات أهمية استراتيجية لها بدرجات متفاوتة.
وأشارت إلى أن موسكو ستضع خلال أسابيع اللمسات الأخيرة على اتفاقية لبناء محطة نووية في مصر، فضلا عن صفقات عسكرية، فيما التقى رئيس شركة الطاقة الروسية الحكومية (روسنفت) إيغور ستشين المقرب من الرئيس الروسي بوتين، رئيس مؤسسة النفط الليبية في فبراير/شباط الماضي، واتفقا على التعاون في إعادة بناء قطاع الطاقة الليبي.
وفي تونس التي ربما تبدو أقل جاذبية لروسيا، توجد أيضا روابط اقتصادية، فقد تضاعف عدد السياح الروس في تونس 10 مرات في عام 2016 بعد توقف الرحلات الروسية إلى مصر وتركيا، كما وقع الكرملين قبل أشهر اتفاقية لبناء محطة نووية.
أما الجزائر فتعد من مشتري الأسلحة الروسية منذ زمن بعيد، وقد وقع الجانبان عام 2014 اتفاقية بنحو مليار دولار تستخدم بموجبها الجزائر تقنيات ومكونات روسية لإنتاج مئتي دبابة.
وفيما يتعلق بالمغرب فقد زار الملك محمد السادس روسيا في العام الماضي، ووقع إعلانا لشراكة استراتيجية "معمقة" واتفاقات بشأن الطاقة.
فراغ السلطة في ليبيا
ويقول سيرغي بالماسوف، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، إن المجالات الرئيسية للتعاون بين روسيا وبلدان شمال أفريقيا تتلخص في قطاعات الطاقة وتوريد المنتجات الغذائية وتصدير الأسلحة، لكن هناك عوائق سياسية وأمنية في ليبيا وأخرى اقتصادية بمصر، ما يعرقل روسيا في تعزيز مكانتها في هذين البلدين.
ويوضح بالماسوف في حديثه لـ"العربي الجديد": "تكمن المشكلة في ليبيا في فراغ السلطة واستمرار أعمال القتال، ولذلك تراهن روسيا على قائد قوات برلمان طبرق خليفة حفتر أملا في قدرته على توحيد البلاد، ولكن على موسكو ألا تعول عليه كثيراً، إذ تربطه علاقات جيدة مع فرنسا والإمارات، وحتى الولايات المتحدة قد تغير موقفها منه".
ويضيف: "خسرت شركة السكك الحديدية الروسية عقداً لمد سكة حديدية بين سرت وبنغازي بقيمة 2.2 مليار دولار، بينما يفوق إجمالي الخسائر، أربعة مليارات دولار شاملة عقود الأسلحة واستثمارات الاستكشاف الجيولوجي، لذلك، فإن هدف روسيا في ليبيا حالياً هو استعادة هذه العقود".
ولعل الدوافع الاقتصادية، هي التي أجبرت روسيا على تعزيز جهود الوساطة بين الأطراف الليبية في الأشهر الماضية وسط انحيازها الواضح لدعم حفتر، الذي زار روسيا ثلاث مرات خلال أقل من عام، وصعد إلى متن حاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف"، التي كانت في طريق عودتها من سورية في يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي مارس/آذار الماضي، وصل الأمر إلى تداول تقارير إعلامية حول إرسال روسيا جنوداً من قواتها الخاصة إلى الحدود المصرية الليبية، بينما سارعت وزارة الدفاع الروسية لنفيها.
اقــرأ أيضاً
عوائق اقتصادية بمصر
على الرغم من الأحداث الدراماتيكية، التي شهدتها مصر منذ عام 2011، إلا أنها لا تزال أكبر شريك تجاري لروسيا في شمال أفريقيا، إذ تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي 2016 نحو أربعة مليارات دولار، لتأتي مصر بذلك في المرتبة الـ 20 بين شركاء روسيا التجاريين.
ومع ذلك، لا يزال هيكل هذا التبادل التجاري غير متوازن تماماً، إذ تبلغ حصة الصادرات الروسية فيه نحو 90%، مقابل 10% فقط حصة الصادرات المصرية إلى روسيا، وكان للفواكه والخضروات النصيب الأكبر في صادرات مصر.
وحتى عام 2015، كان قطاع السياحة يحقق توازناً في العلاقات الاقتصادية المصرية الروسية، إذ كان يأتي، في الواقع، بمثابة تصدير الخدمات السياحية المصرية إلى روسيا، التي زار أكثر من ثلاثة ملايين من مواطنيها المنتجعات المصرية في عام 2014، وكانت تعتبر الوجهة الثانية للسياحة الخارجية الروسية بعد تركيا.
إلا أن تعليق حركة الطيران بين البلدين على خلفية حادثة تحطم طائرة "ايرباص" الروسية في سيناء في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2015 والتأخّر في استئنافها، أسفرا عن استمرار غياب السياح الروس عن المنتجعات المصرية حتى الآن، ليتحول الملف إلى قضية شائكة في العلاقات بين البلدين.
ويشير بالماسوف إلى أنه رغم نجاح روسيا ومصر في تحقيق معدلات عالية للتجارة البينية وفي قطاع السياحة سابقا، إلا أنهما لم تحققا أي مشروع مشترك ضخم حتى الآن.
ويقول الخبير الروسي في هذا السياق: "تعتبر مصر من المستهلكين الرئيسيين للقمح الروسي، ولكن تردي الأوضاع الاقتصادية بمصر يعيق الدفع بالتعاون، كما انتهت جميع المشاريع في مجال الاستكشاف الجيولوجي بالفشل حتى الآن، وهناك علامات استفهام حتى حول آليات تمويل مشروع المحطة النووية في الضبعة".
ويضيف: "ومع ذلك، لا تزال مصر البلد الوحيد في شمال أفريقيا الذي قد تحقق فيه روسيا مشروعاً نووياً في المستقبل القريب، كما أنها قد تدخل مشاريع مماثلة في دول أخرى مستقبلا".
وكانت روسيا ومصر قد وقعتا في نهاية عام 2015 على اتفاقية حكومية لبناء وتشغيل أول محطة نووية في منطقة الضبعة، على أن تضم المحطة أربع وحدات بقوة 1200 ميغاواط لكل واحدة منها وتستغرق مدة تحقيق المشروع 12 عاماً.
وعلى الرغم من مرور نحو عام ونصف العام على توقيع الاتفاقية الحكومية، إلا أنه لم يتم التوقيع على حزمة العقود النهائية حتى الآن.
مخاوف التغيير في الجزائر
رغم أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والجزائر لا يزال زهيداً ويقدر بما بين مليار وملياري دولار فقط، إلا أن امتلاك البلدين احتياطات ضخمة من موارد الطاقة يفتح مجالا للتعاون، بينما يعيقه تقدم الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، في العمر وسوء حالته الصحية وسط مخاوف من فترة انتقال سياسي مضطرب.
ويقول بالماسوف إن "الجزائر تتفوق كثيراً على مصر وليبيا على الصعيد السياسي، ولكن ترقب تغيير رأس السلطة يثير مخاوف من حدوث تغييرات نحو الأسوأ".
ويضيف: "هناك قيود كثيرة على الاستثمارات في الجزائر مثل عدم السماح للأجانب بامتلاك أكثر من 49% في المشاريع، وهو أمر لن يرضى عنه العديد من الشركات الروسية الكبرى".
ويشير إلى أن التوسع الاقتصادي والعسكري الروسي المحتمل في شمال أفريقيا يحمل في طياته أبعاداً جيوسياسية أيضا، وقد يساعد موسكو في تعزيز مواقفها في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول ملفات دولية شائكة مثل الوضع في أوكرانيا.
اقــرأ أيضاً
وعلى مدى السنوات الماضية خسرت الشركات الروسية العاملة في ليبيا مشاريع تزيد قيمتها عن أربعة مليارات دولار، جراء تعليق العقود المبرمة في عهد العقيد معمر القذافي، بينما أدت الاضطرابات في مصر إلى إرجاء مشاريع كبرى مثل إنشاء أول محطة نووية في منطقة الضبعة على الساحل الشمالي الغربي للبلاد والبالغة كلفتها نحو 30 مليار دولار.
لكن مجلة فورين أفيرز الأميركية، نشرت مقالا في أبريل/نيسان الماضي، قالت فيه إن غزواً اقتصادياً وعسكرياً تقوم به روسيا في شمال أفريقيا بهدوء، بينما ينشغل العالم بقضية التدخلات الروسية في أميركا وأوروبا.
ولم تستثن المجلة أيا من الدول العربية الخمس في شمال أفريقيا، والتي تراها موسكو ذات أهمية استراتيجية لها بدرجات متفاوتة.
وأشارت إلى أن موسكو ستضع خلال أسابيع اللمسات الأخيرة على اتفاقية لبناء محطة نووية في مصر، فضلا عن صفقات عسكرية، فيما التقى رئيس شركة الطاقة الروسية الحكومية (روسنفت) إيغور ستشين المقرب من الرئيس الروسي بوتين، رئيس مؤسسة النفط الليبية في فبراير/شباط الماضي، واتفقا على التعاون في إعادة بناء قطاع الطاقة الليبي.
وفي تونس التي ربما تبدو أقل جاذبية لروسيا، توجد أيضا روابط اقتصادية، فقد تضاعف عدد السياح الروس في تونس 10 مرات في عام 2016 بعد توقف الرحلات الروسية إلى مصر وتركيا، كما وقع الكرملين قبل أشهر اتفاقية لبناء محطة نووية.
أما الجزائر فتعد من مشتري الأسلحة الروسية منذ زمن بعيد، وقد وقع الجانبان عام 2014 اتفاقية بنحو مليار دولار تستخدم بموجبها الجزائر تقنيات ومكونات روسية لإنتاج مئتي دبابة.
وفيما يتعلق بالمغرب فقد زار الملك محمد السادس روسيا في العام الماضي، ووقع إعلانا لشراكة استراتيجية "معمقة" واتفاقات بشأن الطاقة.
فراغ السلطة في ليبيا
ويقول سيرغي بالماسوف، الخبير في شؤون الشرق الأوسط بالمجلس الروسي للشؤون الدولية، إن المجالات الرئيسية للتعاون بين روسيا وبلدان شمال أفريقيا تتلخص في قطاعات الطاقة وتوريد المنتجات الغذائية وتصدير الأسلحة، لكن هناك عوائق سياسية وأمنية في ليبيا وأخرى اقتصادية بمصر، ما يعرقل روسيا في تعزيز مكانتها في هذين البلدين.
ويوضح بالماسوف في حديثه لـ"العربي الجديد": "تكمن المشكلة في ليبيا في فراغ السلطة واستمرار أعمال القتال، ولذلك تراهن روسيا على قائد قوات برلمان طبرق خليفة حفتر أملا في قدرته على توحيد البلاد، ولكن على موسكو ألا تعول عليه كثيراً، إذ تربطه علاقات جيدة مع فرنسا والإمارات، وحتى الولايات المتحدة قد تغير موقفها منه".
ويضيف: "خسرت شركة السكك الحديدية الروسية عقداً لمد سكة حديدية بين سرت وبنغازي بقيمة 2.2 مليار دولار، بينما يفوق إجمالي الخسائر، أربعة مليارات دولار شاملة عقود الأسلحة واستثمارات الاستكشاف الجيولوجي، لذلك، فإن هدف روسيا في ليبيا حالياً هو استعادة هذه العقود".
ولعل الدوافع الاقتصادية، هي التي أجبرت روسيا على تعزيز جهود الوساطة بين الأطراف الليبية في الأشهر الماضية وسط انحيازها الواضح لدعم حفتر، الذي زار روسيا ثلاث مرات خلال أقل من عام، وصعد إلى متن حاملة الطائرات الروسية "الأميرال كوزنيتسوف"، التي كانت في طريق عودتها من سورية في يناير/كانون الثاني الماضي.
وفي مارس/آذار الماضي، وصل الأمر إلى تداول تقارير إعلامية حول إرسال روسيا جنوداً من قواتها الخاصة إلى الحدود المصرية الليبية، بينما سارعت وزارة الدفاع الروسية لنفيها.
عوائق اقتصادية بمصر
على الرغم من الأحداث الدراماتيكية، التي شهدتها مصر منذ عام 2011، إلا أنها لا تزال أكبر شريك تجاري لروسيا في شمال أفريقيا، إذ تجاوز حجم التبادل التجاري بين البلدين في العام الماضي 2016 نحو أربعة مليارات دولار، لتأتي مصر بذلك في المرتبة الـ 20 بين شركاء روسيا التجاريين.
ومع ذلك، لا يزال هيكل هذا التبادل التجاري غير متوازن تماماً، إذ تبلغ حصة الصادرات الروسية فيه نحو 90%، مقابل 10% فقط حصة الصادرات المصرية إلى روسيا، وكان للفواكه والخضروات النصيب الأكبر في صادرات مصر.
وحتى عام 2015، كان قطاع السياحة يحقق توازناً في العلاقات الاقتصادية المصرية الروسية، إذ كان يأتي، في الواقع، بمثابة تصدير الخدمات السياحية المصرية إلى روسيا، التي زار أكثر من ثلاثة ملايين من مواطنيها المنتجعات المصرية في عام 2014، وكانت تعتبر الوجهة الثانية للسياحة الخارجية الروسية بعد تركيا.
إلا أن تعليق حركة الطيران بين البلدين على خلفية حادثة تحطم طائرة "ايرباص" الروسية في سيناء في 31 أكتوبر/تشرين الأول 2015 والتأخّر في استئنافها، أسفرا عن استمرار غياب السياح الروس عن المنتجعات المصرية حتى الآن، ليتحول الملف إلى قضية شائكة في العلاقات بين البلدين.
ويشير بالماسوف إلى أنه رغم نجاح روسيا ومصر في تحقيق معدلات عالية للتجارة البينية وفي قطاع السياحة سابقا، إلا أنهما لم تحققا أي مشروع مشترك ضخم حتى الآن.
ويقول الخبير الروسي في هذا السياق: "تعتبر مصر من المستهلكين الرئيسيين للقمح الروسي، ولكن تردي الأوضاع الاقتصادية بمصر يعيق الدفع بالتعاون، كما انتهت جميع المشاريع في مجال الاستكشاف الجيولوجي بالفشل حتى الآن، وهناك علامات استفهام حتى حول آليات تمويل مشروع المحطة النووية في الضبعة".
ويضيف: "ومع ذلك، لا تزال مصر البلد الوحيد في شمال أفريقيا الذي قد تحقق فيه روسيا مشروعاً نووياً في المستقبل القريب، كما أنها قد تدخل مشاريع مماثلة في دول أخرى مستقبلا".
وكانت روسيا ومصر قد وقعتا في نهاية عام 2015 على اتفاقية حكومية لبناء وتشغيل أول محطة نووية في منطقة الضبعة، على أن تضم المحطة أربع وحدات بقوة 1200 ميغاواط لكل واحدة منها وتستغرق مدة تحقيق المشروع 12 عاماً.
وعلى الرغم من مرور نحو عام ونصف العام على توقيع الاتفاقية الحكومية، إلا أنه لم يتم التوقيع على حزمة العقود النهائية حتى الآن.
مخاوف التغيير في الجزائر
رغم أن حجم التبادل التجاري بين روسيا والجزائر لا يزال زهيداً ويقدر بما بين مليار وملياري دولار فقط، إلا أن امتلاك البلدين احتياطات ضخمة من موارد الطاقة يفتح مجالا للتعاون، بينما يعيقه تقدم الرئيس الجزائري، عبد العزيز بوتفليقة، في العمر وسوء حالته الصحية وسط مخاوف من فترة انتقال سياسي مضطرب.
ويقول بالماسوف إن "الجزائر تتفوق كثيراً على مصر وليبيا على الصعيد السياسي، ولكن ترقب تغيير رأس السلطة يثير مخاوف من حدوث تغييرات نحو الأسوأ".
ويضيف: "هناك قيود كثيرة على الاستثمارات في الجزائر مثل عدم السماح للأجانب بامتلاك أكثر من 49% في المشاريع، وهو أمر لن يرضى عنه العديد من الشركات الروسية الكبرى".
ويشير إلى أن التوسع الاقتصادي والعسكري الروسي المحتمل في شمال أفريقيا يحمل في طياته أبعاداً جيوسياسية أيضا، وقد يساعد موسكو في تعزيز مواقفها في المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي حول ملفات دولية شائكة مثل الوضع في أوكرانيا.