عراقيون يرفعون سلاح المقاطعة لإعادة تدفق مياه دجلة

08 يونيو 2018
انخفاض منسوب نهر دجلة (صباح عرار/فرانس برس)
+ الخط -
دشّن ناشطون عراقيون حملةً واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي تهدف إلى مقاطعة البضائع التركية والإيرانية على خلفيّة الجفاف الذي حلّ بنهر دجلة، من جرّاء بدء تركيا بتخزين المياه في سد إليسو، وقطع إيران لأنهر صغيرة داخلة إلى العراق، وتغذي نهر دجلة. 
وعزم عدد كبير من العراقيين على التصرف التلقائي للمقاطعة من دون الاهتمام بما يبدر من حكومة بلادهم تجاه هذه القضية التي يتأكد للمتابع أنها ستتسبب بكارثة بيئية واقتصادية وإنسانية كبيرة في العراق، متّخذين من مواقع التواصل منصات تحشيد لهم.

وشهدت الحملات إطلاق وسوم على مواقع التواصل الاجتماعي لحشد موقف شعبي موحد. وأكد ناشطون من خلالها أنّ المقاطعة ستتسبب بخسائر كبيرة للجارتين تركيا وإيران، إذ تصل قيم بضائعهما المصدّرة إلى العراق بمليارات الدولارات.

وتحت وسوم "#سد_إليسو_يهدد_حياتنا" و"#سد_إليسو" و"#دجلة_تحتضر" و"#دجلة #العراق"، عبر عراقيون عن ألمهم لما تعرّض له النهر المرتبط بتاريخ العراق وثقافته، والذي يشهد للمرة الأولى في التاريخ الجفاف وصولاً إلى هذا المستوى الذي أرعب العراقيين.

أحد المغردين، يحمل حسابه اسم بغداد، رأى أن الحل يكمن في مقاطعة المنتجات التركية والإيرانية وطرد شركاتها. وقال إن حجم التبادل التجاري بين العراق وتركيا يبلغ 13 مليار دولار، مناشداً العراقيين بأن يقاطعوا المنتوج التركي، معتبراً أن هذه المقاطعة ستعيد المياه إلى نهر دجلة، بحسب رأيه.


حساب آخر، أكد أن "مقاطعة المنتجات التركية والايرانية ستشكل عامل ضغط على حكومتيهما"، وأشار إلى أن تركيا تعاني حالياً من انهيار في عملتها، أما إيران فتقبع في موقف اقتصادي حرج لا تحسد عليه، ناهيك عن مئات ملايين الدولارات التي ينفقها العراقيون للسياحة في هذين البلدين خصوصاً في فصل الصيف.


وقال ليث الشبلي إنّ تركيا تربح كثيراً من العراق من ناحية تصدير بضائعها إليه، ومن خلال دخول نحو 2 مليون سائح عراقي كل عام إلى تركيا، وأن مقاطعة البضائع والسياحة ستتسبب بضربة لتركيا وصفها بأنها "قاضية".


وذهب الشيخ أبو علاء الكناني إلى وجوب مقاطعة المنتجات التركية والإيرانية، وطرد الشركات والجهات الدبلوماسية، وقطع العلاقات، حتى عودة الحصص المائية إلى سابق عهدها.


ورأى حسين الحجامي أن عودة المياه إلى دجلة ليست بالأمر الصعب، وأن هذا يتجسد في "خطوة واحدة" بحسب قوله، مبيناً أن ذلك يبدأ من إمهال الشركات التجارية العاملة في العراق مدة يومين لمغادرة البلاد، وإيقاف التبادل التجاري.


بيداء أيضاً ذهبت إلى ما ذهب إليه حسين الحجامي حول أهمية إيقاف التبادل التجاري مع تركيا، في إشارة منها إلى أن أنقرة تجني أرباحاً طائلة من هذا التبادل التجاري الذي ستخسره في حال تم إيقافه.


وتطرّق حيدر رشيد الزاملي إلى الوضع السيئ الذي تمر به الليرة التركية، وهو ما يجب على الحكومة العراقية استغلاله من خلال إيقاف الاستيراد من تركيا، الذي سيتسبب بخسائر كبيرة لتركيا، وفق تعبيره.



وبينما بدأت تركيا في 1 يونيو/حزيران الجاري بتشغيل سد إليسو الذي تسبب بخفض كبير لمنسوب المياه في دجلة، باشرت إيران بقطع نهر الزاب بعد يوم واحد من تشغيل السد التركي، لتساهم بشكل كبير في الإضرار بالموارد المائية في العراق.

ردود الفعل الشعبية الغاضبة تجاه بلاده دعت السفير التركي لدى العراق، فاتح يلدز، إلى أن يصرح، عبر حسابه الشخصي على منصة "تويتر"، في 2 يونيو/حزيران الجاري، أي بعد يوم واحد من تشغيل سد إليسو، مبيناً أن أنقرة تحركت نحو مشروع "سد إليسو"، المقام على نهر دجلة، بعد خطوات مشتركة مع العراق، مؤكداً أنها تعتبر مياه دجلة والفرات مياها مشتركة.

وقال السفير التركي "أرى شكاوى أصدقائنا العراقيين بخصوص الماء، وأقبل رسائلكم جميعاً وسأنقلها إلى الحكومة التركية".

ولم ينتظر ناشطون عراقيون ردوداً رسمية من الجهات الحكومية في البلاد ليستعلموا حقيقة الأمر، معتبرين أن العراق يتعرض لموقف خطير وعليهم أن يقوموا بدورهم، للتأثير على تركيا وإجبارها على إطلاق المياه لنهر دجلة مثلما كان في السابق.

محمد العكيلي، وهو إعلامي وناشط على مواقع التواصل الاجتماعي، كان سباقاً في حث العراقيين للرد كل من موقعه لصناعة موقف ضاغط على حكومات تركيا وإيران. وأكد في حديثه لـ"العربي الجديد" أن الشعب بإمكانه إعادة الحياة لنهر دجلة بمقاطعة البضائع.
وقال إن "للمقاطعة أهمية كبيرة على اقتصادات إيران وتركيا، إنها تساهم في تراجع أسعار العملة المحلية للبلدين أمام الدولار، خاصة أن العملة المحلية لكلا البلدين تشهد تراجعاً كبيراً. هناك أزمة اقتصادية يمران بها".

وأضاف العكيلي أنه لا يتوقع حصول توجه قوي من قبل المواطنين للمقاطعة، مستدركاً بالقول "لكن من الممكن أن ترتفع حدة المقاطعة مع بدء وصول تأثير انخفاض المياه الى المواطنين وإحساسهم بالمشكلة". وتابع أنه يعمل بصورة منفردة في مجال شحن الشارع على مقاطعة البضائع التركية والإيرانية، مؤكداً أن هذا هو دأب أغلب الناشطين، وأنهم يستخدمون حساباتهم الشخصية للدعوة إلى المقاطعة.

بدوره، أطلق الصحافي ضرغام محمد علي، على منصة "فيسبوك"، حساباً جديداً بعنوان "العراق يموت عطشاً"، ليواجه من خلاله الأزمة المائية التي تمر بها بلاده. وقال لـ"العربي الجديد" وهو يتحدث عن تأثير مقاطعة البضائع التركية والإيرانية، إن "آليات المقاطعة شبه ضعيفة كون الاستجابة من قبل المواطنين تكون متباينة، وحتى المقاطع العادي قد لا يستجيب بشكل كامل لمقاطعة البضائع".

وأضاف "الموقف الذي يكون أكثر تأثيراً هو أن يتم غلق الحدود من خلال الاعتصامات الجماهيرية، إضافة إلى غلق الطرق التي تؤدي إلى إقليم كردستان (شمالي البلاد) والسماح بمرور فقط الشاحنات التي لا تحمل البضائع التركية، وهذه الخطوة ممكن أن تكون أكثر فاعلية بكثير من عمليات المقاطعة الاعتيادية".

وتمر البضائع القادمة من تركيا إلى الأراضي العراقية من منفذ إبراهيم الخليل الواقع في إقليم كردستان. وأكد علي وجود تحرك من قبل شخصيات مستقلة مهمة للتأثير على القرار الحكومي، موضحاً أن "هناك مبادرات من قبل اساتذة جامعات، للتأثير على تركيا عبر الضغط على السفارة، وفي حال فشلت هذه التوجهات فإنه سيتم التوجه باتخاذ اجراءات تصعيدية كالمقاطعة، واتخاذ بدء العمل على الإعلام بتوجيه رسائل ضد السياسة التركية".

وحول تأثير التحشيد عبر مواقع التواصل الاجتماعي، والدور الذي تلعبه الحسابات التي أنشئت لهذا الغرض، ومنها الحساب الذي أنشأه، أوضح علي أن "الحساب في حال استقطب عدداً أكبر من المتابعين، فسيتوجه إلى أبعد من ذلك من خلال تسويق القضية إعلامياً بشكل محترف من خلال صياغة أخبار تعكس الأضرار الإنسانية البيئية الكارثية المترتبة على الجفاف وإرسالها كرسائل إلى أوروبا تتضمن قاطعوا تركيا لأنها تقتل العراق". وذكر أن "هذه العملية ستكبد تركيا خسائر حقيقية تجعلها تعيد النظر بمواقفها المائية تجاه العراق".
المساهمون