عادوا إلى الساحات.. ثوّار سورية يريدون الحرية والكرامة

15 مارس 2016
خرجنا لنؤكد أننا لا نريد الأسد (ثائر محمد/فرانس برس)
+ الخط -
خمس سنوات مرّت ثقيلة جداً على السوريين، منذ اللحظة الأولى التي صرخوا فيها مطالبين بالحرية والعدالة والكرامة. دفعوا ثمنها من دمائهم وأرواحهم، حتى ظنّ العالم أنهم يئسوا. في الرابع من مارس/آذار الجاري، أي يوم الجمعة بعد بدء سريان الهدنة، فوجئ العالم بآلاف الشباب السوريين وقد خرجوا من بين الدمار والألم ليهتفوا للحرية والكرامة من جديد.

هؤلاء شباب سوريون شاركوا في التظاهرات الأولى، وحملوا على عاتقهم مسؤولية إحياءها من جديد. لكن من أين يستمدون عزيمتهم بعد كل ما عاشوه من قهر؟ وماذا ينتظرون أن تفعل أصواتهم مع استمرار أصوات البنادق والمدافع والطائرات. ما هي مطالبهم اليوم؟ هل تغيرت عما كانت عليه في بداية الثورة؟ أسئلة وجّهتها "العربي الجديد" إلى مجموعة من هؤلاء الشباب.

أرادوا طعن الثورة

يرى حذيفة دهمان (23 عاماً) أنه "على الرغم من عدم خروج تظاهرات على مدى أشهر طويلة، لكن لم يمر يوم من دون أن نلعن تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وبشار الأسد. صوتنا لم يخفت منذ اليوم الذي حطمنا فيه ذلك الحائط، الذي أخبرنا أباؤنا أنه يسمعنا إن تكلمنا في السياسة".
قبل يوم الجمعة الذي تجدّدت فيه التظاهرات في سورية، كان حذيفة وزملاؤه يجتمعون ويناقشون بعض الأمور من بينها إحياء التظاهرات في حلب. يقول: "أردنا توجيه رسالة إلى العالم بأننا نحن السوريون لا نرضى بالإرهاب، وأن الإرهابي الأكبر هو بشار الأسد وهو يحارب السوريين وليس الإرهابيين. أيضاً، أردنا رفع معنويات الصامدين في المدينة والمقاتلين".
حاله كحال الكثير من الشباب، تغيرت حياة دهمان بشكل جذري مع بداية الثورة في سورية. وعلى الرغم من قساوة ما عاشه خلال سنوات الثورة، بقي في حلب وساهم بتجديد تظاهراتها. عمل مسعفاً ميدانياً بعد سيطرة قوات المعارضة على عدد من أحياء حلب عام 2012. لم يكن وحيداً، بل كان يشاركه عمله الطبي مجموعة من الممرضين والمسعفين وطبيبان. وبعد دخول داعش إلى حلب، خطف عناصرها الكثير من الناشطين، من بينهم كوادر طبية وإعلاميون وعاملون في مجال الإغاثة. يقول: "خطفوا نور طبية وقتيبة محمد أبو يونس، وأصدقائي أمين وماهر وسلطان ومجد. أرادوا أن يطعنوا الثورة ويقضوا على الحراك السلمي، وهو ما استكمله النظام ببراميله المتفجرة. مع هذا، لم تمت ثورتنا".

"انقلع"

كلمة واحدة كتبها عبدو خضر (26 عاماً) بالخط الأحمر العريض على لافتة بيضاء، وهي "انقلع". رفعها بين أعلام الثورة في أول تظاهرة خرجت بعد بدء الهدنة في باب الحديد، أحد أحياء حلب القديمة. يشرح: "هذه الكلمة تختصر موقفي من نظام الأسد". قبل خمس سنوات، كان خضر يدرس الحقوق في جامعة حلب، ويكتشف الثغرات القانونية في الدستور. إلا أن قبضة النظام الأمنية كانت أقوى من أن يعبّر عن ذلك حتى داخل قاعة المحاضرات، ما دفعه للمشاركة في التظاهرات في بداية الثورة، والمطالبة برفع الظلم وإبعاد القبضة الأمنية عن الشعب السوري.

اقرأ أيضاً: داريا .. صمود ثورة

خلال السنوات الخمس الماضية، اعتقل خضر وشقيقه، فيما عانت عائلته من النزوح. إلّا أنه أصرّ على المشاركة في الحراك الثوري السلمي الذي يعتبره الضامن الوحيد لاستمرار الثورة. يقول إن "إحياء التظاهرات أعاد للثورة صفاءها. عدنا لنرفع علمها ورمزها الوحيد. في الحقيقة، أعادت هذه التظاهرات الروح الثورية للشعب الذي يعاني الألم والوجع بسبب القصف والحصار".

أجبرني الشرطي على الاعتذار

يقول سيف الدين أطرش (23 عاماً)، وهو أحد المشاركين في التظاهرات الأخيرة، إن تغيراً طرأ على مطالبه بعد خمسة أعوام على مشاركته في تظاهرته الاولى. يقول: "اليوم، أنادي بتوحّد الفصائل العسكرية الثورية تحت قيادة مركزية واحدة، وتوحّد القضاء الثوري للحد من الاعتقالات التعسفية من قِبَل بعض الفصائل. هؤلاء ينادون بأحقية المدنيين في إدارة المناطق المحررة من دون تدخل العسكريين".
يرى أطرش في "تجدد التظاهرات ضرورة في ظل التمييع السياسي وعدم التعاطي بشكل جدّي من المجتمع الدولي حيال قضية السوريين، حتى من قبل الدول الصديقة للشعب السوري. إنهم يحاولون صرف أنظار العالم وتسليط الضوء على اللاجئين والنازحين فقط، ويتناسون السبب الأول لتشرّدهم". ما زال يذكر تظاهرته الأولى في حي سيف الدولة في حلب منتصف أبريل/نيسان عام 2011، والتي لم تتجاوز مدتها العشرين دقيقة، لأن قوات الأمن هاجمتها بالرصاص الحي.
يقول: "خرجت حينها للمطالبة بإسقاط النظام الطائفي، والتخلص من النظام الاستخباراتي القمعي وحكم الأسد المغتصب للسلطة".
قبل خمس سنوات، كان أطرش في سنته الأولى في كلية الآداب في جامعة حلب، وكان يقضي جلّ وقته بين الجامعة ولعب كرة السلة في نادي الاتحاد. يقول إن أحداثاً كثيرة كانت تجعله يؤمن بضرورة الثورة. يضيف: "أردتُ الثورة حين تشاجرت مع أحدهم في النادي، وأجبرني الشرطي على الاعتذار منه لأنه كان ابن أحد ضباط الأمن. وكان أبي قد أخبرني كيف قُتل عمي بدم بارد بذريعة الانتماء للإخوان المسلمين. كذلك، حجزوا وصادروا أملاك العائلة لمدة عام بتهمة انتماء أحد أفرادها لجماعة محظورة".

الساحات رمز لوطن يجمعنا

عاد ياسين البوشي (27 عاماً) ومن بقي من أصدقائه للهتاف للحرية في ساحات إدلب من جديد. يرى أنه من شأن هذه التظاهرات في الساحات أن تعيد تلك المحبة التي جمعت الثوار في سورية عام 2011، ليطالبوا مجدداً بوطن واحد يجمعهم، وحكم عادل، وقيادة وطنية بعيداً عن القوى المفروضة وقوى المال السياسي. يقول: "فوجئ كثيرون بعودتنا بعد خمس سنوات للمطالبة بإسقاط النظام بشكل سلمي. كان هدفنا من التظاهرات معنوياً، وقد خرجنا بشكل عفوي لا يدفعنا إلا إيماننا الحي بالثورة".
منذ بداية التظاهرات في عربين في دمشق، عمل ياسين على تصويرها بكاميرا هاتفه الخلوي، ليراها العالم. واستمرّ بالتصوير وقد توقف عن متابعة دراسته في كلية الهندسة المعمارية. وباتت وكالات الأنباء العالمية تعتمد على صوره. عايش الثورة بكامل تفاصيلها. شاهد المجازر والانتصارات والحصار. يقول: "بعد كل هذا، ما زلنا متمسكين بمطلبنا بإسقاط النظام".

لم تزدني الآلام إلا عزيمة

لم يتردّد معاذ الشامي (23 عاماً) بالخروج في تظاهرة تنادي بـ "سورية حرة" تماماً كاليوم الأول الذي شارك فيها بتظاهرة في عربين في غوطة دمشق. كان يهتف ويشارك في حياكة أعلام الثورة مع عدد من الناشطين. وعن تظاهرات اليوم، يقول: "نعلم أنها لن تعيد المهجّرين على الحدود، ولن تمنع القصف والاعتداء. نريد أن نقول للعالم الذي خذلنا أن ثورتنا مستمرة على الرغم من تخاذلكم، وأن النظام وإيران وروسيا وحلفاءهم لن يستطيعوا منعنا من المطالبة بحقوقنا، وبأننا مستمرون".
خلال السنوات الخمس الماضية، داهمت قوات النظام منزل الشامي، واعتقلته ووالدته، وأحرقت مكان عمله. كذلك، تعرّض خلال عمله في المجال الإعلامي للإصابة خمس مرات. يقول إن كل هذه التجارب "لم تزدني إلا عزيمةً وإصراراً على تحقيق ما خرجنا لأجله يوماً، وهي الحرية والكرامة وإسقاط النظام".

الثورة أعادت إلينا أغلى ما نملك

يرى أحمد شهاب (23 عاماً) أن الهدنة لعبت دوراً كبيراً في تشجعيهم على إعادة إحياء التظاهرات من جديد. يقول: "خرجنا لنؤكد أننا لا نريد بشار الأسد ولن نقبل بوجوده. منذ البداية، طالبنا بإسقاط النظام والإفراج عن المعتقلين. لن نرضى بأي ظالم وأي حكم استبدادي بعد اليوم". يعزو تراجع النشاط السلمي خلال السنوات الماضية إلى "القصف المتواصل والنزوح. لكننا لن ننسى القمع الذي تعرضنا له منذ اليوم الأول، وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين العزّل والفظائع التي ارتكبها النظام في مدينة درعا".
قبل خمس سنوات، كان شهاب يعمل في مجال صيانة الحواسيب. ومع بداية الثورة، سخّر كل وقته لنقل وقائعها، وعمل كناشط إعلامي في حلب. يقول: "حين كنت صغيراً، لطالما سمعت جدي يتكلّم عن قمع حافظ الأسد والمجازر التي ارتكبها. في ما مضى، لم نكن نملك حرية الرأي، وكنا عاجزين عن انتقاد الفساد في نظام حزب البعث. بعد الثورة، تغير كل شيء. عندما خرجت في أول تظاهرة، انتابني شعور لا يوصف بأنني أملك الدنيا، وإن كان الأمر مخيفاً. لكن الحماس والفرحة وقناعتي بأن نظام الأسد يجب أن يسقط، جعلني أتغلب على جميع مخاوفي".

اقرأ أيضاً: النقل العام يحكي قصة سورية قبل الثورة وبعدها