ينجذب الفنان العراقي المعاصر عادل عابدين، إلى المواقف الاجتماعية التي تتعامل مع التجارب المراوغة، فيستخدم خلفيته الثقافية المتعددة لإنشاء لغة بصرية غالباً ما تكون مليئة بالفكاهة والسخرية والتناقضات.
تأتي تعددية ثقافته هذه بانتمائه إلى عالمين في وقت واحد، فهو وإن كان عراقي المولد (بغداد 1973)، إلا أنه يقيم منذ سنوات في هلسنكي، وفيها تابع دراسة الفنون الجميلة التي بدأها في مسقط رأسه.
في عمل فني يُعرض حالياً في "دار النمر للفن والثقافة" في بيروت، تحت عنوان "العودة إلى المستقبل"، يجرب عابدين من خلال تجهيز متعدد الوسائط أن يتعامل مع ذاكرته التي تخص سنوات العراق الذي غادره قبل 18 عامًا.
يقول عابدين: "بعدما تركت وطني العراق منذ ثمانية عشر عاماً، بقي معي الكثير من الذكريات البانية لذاكرتي كعراقي. تسبّب استرجاع ومعالجة هذه الذكريات بتحريف وتفكيك. أصبحت الذكريات من طفولتي غير ملموسة".
ويتابع، في بيان حول عمله، أن هذه الذكريات "خسرت جانبها المادي ووجودها في الزمن. أصبحت قصصاً نرويها وفقدت أصالتها. غيّرتها إضافات الناس حتى صارت أساطير، ويشبه استرجاعها ترجيع شريط كاسيت بقلم رصاص، كتحريك بكرة الزمن. استحضر ترجيع الذكريات معنى مختلفاً".
يعود عابدين إلى الطفولة في بغداد، إلى الأغاني التي كان يسمعها، ويشرح: "خلال تقصي الأغنيات غير الملموسة التي كنت أسمعها وأغنيها في طفولتي، وجدت فيها دلالات غريبة. كنت أعرفها ألحاناً من مصادر مجهولة، كتهويدات صارت أغانيَ فلكلورية للأطفال".
وكلما بحث عابدين في ماضيه أكثر، كلما اكتشف فقر الأرشيف العراقي وقلة المصادر، الأمر الذي لفته إلى أن الماضي عومل بعنف وجرت بشكل ما محاولات لاجتثاثه أو محوه أو نسيانه أو حتى إهماله.
عن ذلك يقول: "البحث فيها جعلني أكتشف تغيراً في المنظور. فتحت قلة المصادر الأرشيفية في العراق نوافذ لتأويلات مختلفة. صارت الأماكن والأحداث قصصية. حوّلها السياق إلى تقاليد ذات محتوى جديد".