عادل حواطة.. تشكيل مضادّ للحدود

10 نوفمبر 2014
مقطع من "ممر"
+ الخط -
ليست الحدود مجرّد علامات تحدّ من امتداد الجغرافيا وتلجم شهية زحفها، كما أنّها ليست مراكز عسكرية وشرطة مراقبة تنتصب على مشارف كل بلد فقط؛ إنما هي، إضافة إلى هذا وذاك، وخصوصاً في حالة الجوار المتوتر، إجراء يقلّص من سبل التواصل العادي بين الشعوب، ويفصل بين أفراد قد تجمعهم قيمٌ جمالية وأخلاقية وثقافية، ويخلق نوعاً من حالة احتقان كامنة قد تسهم، لسبب أو آخر، في نشوب الحرب.

بهذا المعنى تقريباً، يقترح الفنان المغربي عادل حواطة، في معرض "واجهات" الذي يستمر حتى 15 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، في "رواق نظر" في الدار البيضاء، مقاربة فنية تشكيلية لمعنى الحدود بمختلف تجلياتها، سواء كانت مرسومة أو وهمية، بما تعكسه من صراعات، قد تنتقل من المجرّد إلى حالة الحرب الفعلية، نتيجة الخوف من الآخر والإحساس المستمر بما يمكن اعتباره تهديداً، ولو في حدوده الرمزية، لدى الذات المشحونة بـ "جرعة وطنية" زائدة.

يمكن اعتبار مقترح الفنان المقيم في بلجيكا، حيث أسس جمعية "إبداع أكثر"، مشروعاً جمالياً ذكياً يسائل المرحلة الراهنة، بمختلف تجلياتها التي تجرح الروح. إنه يضع الإصبع على مكامن الأمل المختل. فسواء تعلّق الأمر بالحدود المتعارف عليها فعلياً، أو الحدود الاقتصادية أو اللغوية أو الدينية أو الثقافية، سيؤدّي إلى نتيجة واحدة: الدمار، إذ لا يُتاح للمنطق أي فرصة لتدبيج مفردات التعقّل.

عشرون عملاً تصويرياً تراهن، من خلال موادها أو جملها اللونية أو تراكيبها، على إطلاق صرخة إدانة للحدود، بوصفها حقول ألغام، وهي كذلك في كثير من جغرافيات اليابسة والبحر.

جاءت أغلب لوحات هذا المعرض في بعدها التلويني محتفلة باللون الأحمر، باعتباره يظلّ مرتبطاً، في حدود تلقّي وتأويل العين الساذجة والبسيطة، بالدم وبالغليان والعنف والتوتر، رغم أن الفنان يكسر اللون بمساحات بيضاء وتكوينات سوداء، وملامح بيوت.

في بعض الأعمال، هناك منارة أو طواحين هواء، وربما آثار لأبواب ونوافذ أو ما تبقى منها، ورتوش تظهر هنا وهناك. في لوحة "ممر" مثلاً، يتبيّن المتلقي ممراً من البلاط المزركش وسط شحنات لونية قانية وبيضاء، ممر يقود إلى منارة.

ورغم حضور ألوان أخرى، يظل الأحمر هو المركزي المهيمن على الأعمال، ليعبّر بذلك عن حالات وعلامات تحيل إلى تلك الشحنة السلبية التي تذهب بالعقل، ويتحول من جرّائها الإنسان، من طاقة خلاقة ومبدعة، إلى مجرد آلة عمياء، ليس في مقدورها أن تميّز بين الأخضر واليابس، ساعة ارتفاع أصوات طبول الحرب.

أما على مستوى الشكل، فقد استفاد حواطة من المربع، كشكل هندسي، ربما للإحالة إلى رقع العالم الجغرافية. إلا أن هذا التوظيف الشكلي جاء أقرب إلى رقعة شطرنج منه إلى أي شيء آخر، وهو توظيف قد يقود إلى استنتاج أولي وأساسي، مفاده أن الحرب تبقى، في أول الأمر وفي آخره، مجرد "لعبة جادة"، حسب التوصيف الذي أعطاه الفيلسوف الألماني غادامير لمفهوم "اللعب".

إنها لعبة يتحكم في زمامها لاعبان رئيسيان، بينما تحصد، أثناء ممارستها، من ليست لهم أي دراية بأسبابها ولا بشروطها وقواعدها، أو حتى بمآلاتها التي تأكل في طريقها كل شيء.

هكذا هي الحدود، فتيل حروب تاريخية شهيرة، وسواء تعلق الأمر بلعبة شطرنج أو سواها، تبقى، في العمق، أقرب إلى رمية نرد، قد تصيب مرة وقد تخطئ مرات عديدة. ليبقى الخاسر الأكبر هو الإنسان. من هنا كان رهان أعمال هذا المعرض تذكير زوّاره بموقع أقدامهم "فوق هذه الأرض التي ليست لأحد".

ينتمي عادل حواطة (1978) إلى جيل من الفنانين العرب الشباب الذين أصبحت موضوعة الحرب ثيمة أعمالهم الأساسية، وربما ستظل رهينة لها لسنوات طويلة قادمة.

المساهمون