لم تكن عائشة خطاب، فلسطينية من بلدة صفورية (قضاء الناصرة)، تدرك معنى التشرّد واللجوء حين خرج أهلها بها وهي ابنة أربعين يوماً من فلسطين، غير أنّها عاشت ذلك في مخيّمات اللجوء، وعند بحثها عن لقمة عيش كريمة. هي وُلدت في الخامس من مايو/أيار من عام 1948، عام النكبة الفلسطينية، ولم تعرف غير حياة اللجوء.
في البداية، لجأت عائلتها، بحسب ما أخبرتها والدتها "المثقفة المتعلمة" التي خطفها الموت باكراً وهي في الخمسين من عمرها، إلى بلدة القرعون اللبنانية، واحدة من بلدات البقاع الغربي في لبنان. وتنقل ما روته لها والدتها: "في أثناء مسيرنا نحو القرعون، رُحنا ننشل لك ملابس عن حمير محمّلة بالثياب، استطاع بعض اللاجئين حملها معهم. لم نتمكّن من حمل أيّ شيء معنا". بعد ذلك، انتقلت عائشة من القرعون إلى مدينة صيدا الجنوبية، ومنها إلى مخيّم نهر البارد في الشمال اللبناني.
تخبر عائشة أنّ "وكالة إغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) هي التي كانت تؤمّن لنا وجبات الطعام والدواء والعلاج، كذلك تكفلت بتأمين التعليم. وقد التحقت بالمدرسة، إذ إنّ ذلك حقّ لكل طفل، وتعلّمت حتى الصف الخامس الأساسي. بعدها لم أتابع دراستي، فكانت والدتي تعلّمني في البيت، هي التي كانت تقصدها نساء كثيرات بقصد تعلّم التطريز والحياكة وغيرهما". وكانت عائشة قد انقطعت عن المدرسة، بعدما ضربها المدرّس أبو الشبل، فوالدها أصرّ على ذلك وقال للمدير حينها إنّه "من الأفضل أن تترك ابنتي المدرسة على أن يُفصَل الأستاذ من التعليم وينقطع رزق أولاده".
بعد ذلك، صارت عائشة تتعلم التطريز والخياطة والعلوم والمعارف كلها من والدتها، حتى تزوّجت. تقول: "كنت حينها في الرابعة والعشرين من عمري، وانتقلت للعيش في مخيّم عين الحلوة للاجئين الفلسطينيين في جنوب لبنان مع زوجي الذي كان يعمل في البناء". تضيف أنّه "بعد مدّة من الزمن، أصيب بأمراض عدّة منعته من العمل، في حين كان علينا تأمين مستلزمات الحياة لأولادنا، من تعليم وطبابة ومأكل وغير ذلك. وصارت الأونروا تقدّم لنا ما يسمّى بالشؤون، وهو مبلغ صغير من المال، إلى جانب بعض المواد الغذائية كالأرزّ والسكّر والحليب وغيرها". وتتابع عائشة: "عندما بلغ ابني السابعة عشرة من عمره، طلبت من الأونروا تمويل مشروع لي بدلاً من توفير المؤونة للعائلة. وافقت الوكالة على المشروع الذي يقضي ببيع الزيت واللبن. فاستأجرت الدكان الذي اشتراه ابني لي لاحقاً، وما زلت اليوم أعمل فيه. هكذا بدأت بالعمل وعرضت كذلك السكاكر للأطفال وبعض البضائع الأخرى التي يطلبها الناس".
سدّدت عائشة المبلغ الذي قدّمته لها الأونروا من أرباح الدكان، أمّا الزيت فقد توقّفت عن بيعه "لأنّه كلّما وقع اشتباك في المخيّم، كان الرصاص يخترق البراميل ويسيل الزيت منها وأقع في خسارة". على الرغم من ذلك، استطاعت عائشة، بحسب ما تقول، أن "أنجح في عملي وأعلّم أبنائي وأصرف على بيتي من دون أن أحتاج أيّ شخص". لكنّها تشكو من أنّ "نسبة المبيعات بالأمس أفضل بكثير ممّا هي عليه اليوم، بسبب كثرة الدكاكين في الجوار. لكنّ الحال جيدة الحمد لله".