ضربات الشمس القاتلة والإجراءات الوقائية في الحجّ

10 اغسطس 2019
محاولات تبريد بمياه زمزم (فتحي بلعيد/ فرانس برس)
+ الخط -
حلّ موسم الحج هذا العام في ظلّ درجات حرارة كبيرة جداً. وقد سارعت الهيئة العامة للأرصاد وحماية البيئة إلى إصدار تقرير مفصل عن الحالة البيئية المتوقعة خلال موسم الحج في مناطق مكة المكرمة والمدينة المنورة، منذ بداية الشهر الجاري، إذ تنبأت بأن يكون طقس الحج حاراً إلى شديد الحرارة خلال النهار واعتدال بسيط في الليل مع فرص بهطول أمطار فوق المتوقع. وسجلت البيانات المناخية لمكة المكرمة وصول درجة الحرارة العظمى إلى 50 درجة مئوية فيما وصلت الصغرى إلى 29.8 درجة مئوية.

واتخذت السلطات السعودية استعداداتها للتعامل مع موسم الحر عبر توفير أكثر من 100 ألف مظلة تقي الحجاج من الشمس، وفق تصريحات مدير إدارة العلاقات العامة بالمسجد الحرام والمسجد النبوي إبراهيم النجيدي للصحافة السعودية. وقررت هيئة تطوير منطقة مكة المكرمة، وهي هيئة تابعة للحكومة السعودية ومهتمة بتطوير الخدمات الأساسية في المناطق المقدسة، تدشين مشروع كبير لتبريد بعض أماكن طقوس الحج المهمة مثل الجمرات، إذ بدأت قبل سنتين بوضع رشاشات ماء على امتداد 10 آلاف متر مربع لإنعاش الحجاج، لكن خدماتها ستتطور وتمتد إلى مناطق جديدة في موسم الحج هذا العام. وتعمل رشاشات المياه على رش رذاذ الماء على رؤوس الحجاج بكمية تصل إلى 235 متراً مكعباً في الساعة وتعمل طوال وقت الحج لتخفيف حرارة الجو عن الحجاج.




لكنّ هذا الإجراء الحكومي لم يكن الوحيد لتلافي أزمة الحرارة التي باتت تقلق الحجاج والسلطات كونها مرشحة للارتفاع في السنوات المقبلة وصولاً إلى درجات أعلى. ونشرت الجهات المختصة الآلاف من وحدات التكييف الصحراوي التي يمكنها العمل في درجات حرارة عالية وتحت الشمس لإنعاش الحجاج، إذ تتم تعبئة وحدات التكييف بالماء لتقوم بالتبريد، وهو إجراء يشرف عليه مئات المتطوعين من تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات السعوديين. كذلك، تخطط الحكومة السعودية لوضع قاعات مكيفة في أرجاء المشاعر المقدسة، وذلك لإيواء الحجاج الذين يشعرون بالإعياء من الحرارة، كما شددت تعليماتها في الوقت الراهن على جميع الحجاج بضرورة استخدام المظلات الواقية من الشمس وذلك لتجنب أيّ ضربة شمس محتملة قد تؤدي إلى الوفاة.

من جهته، يقول أيوب الكندري، وهو ممثل أحد كبرى حملات الحج في الكويت لـ"العربي الجديد": "أبلغتنا الجهات المختصة في الحج مسبقاً بأنّ هذا الموسم سيكون حاراً جداً وقد يكون ممطراً، مما يعني أنّ علينا اتخاذ احتياطات على الجانبين، الحرّ والمطر وهو أمر تسبب في ارتباك لوجستي كبير". وعن الاستعدادات، يقول الكندري: "وضعنا خياماً مكيفة خاصة لحجاج الوفود الكويتية، وقامت أغلب وفود الدول بذلك، فيما تكفلت الجهات السعودية الحكومية والخاصة بإيواء بقية وفود الحج وحمايتهم من الشمس الحارقة، خصوصاً أنّ بعض الحجاج يتحمس لإتعاب نفسه والوقوف في الحرّ ظناً منه أنه سيحصل على أجر أعلى في حال المشقة". أما عن المطر، فيقول الكندري إنّه يتسبب كلّ عام بعدد من الوفيات بسبب إصرار بعض الحجاج على النوم خارج الأماكن المخصصة وفي مجرى السيول، إذ إنّ منطقة مكة المكرمة منطقة مليئة بالسيول والأودية التي تفيض فتسبب الغرق في بعض الأماكن. يضيف: "الجزء الأكبر من مهمة التعامل مع الطقس يقع على الحجاج الذين يهملون الشروط التي تملى عليهم للأسف".

تقدّر السلطات السعودية أنّ ضربات الشمس قد تسببت بـ28 في المائة من حالات الوفاة في الأعوام الماضية، لكنّ العدد مرشح للارتفاع بحسب ما تقول الطبيبة مرام العتيبي، ما لم يقم الحجاج باتباع سبل وقاية أنفسهم من ضربات الشمس هذه. تتابع لـ"العربي الجديد": "يجب أن يغطي الحجاج رؤوسهم بالمظلات بشكل مستمر ساعة التنقل في فترات النهار، كما يجب أن يكثروا من شرب السوائل في كلّ وقت واستخدام ملابس فضفاضة وغير ثقيلة، والاتجاه إلى أقرب مركز صحي، إذا ما شعروا بأعراض ضربة الشمس وعدم الاستهتار في تطبيق تعليمات وتوجيهات رجال الأمن والجهات المسؤولة في ما يخص الوقاية من أشعة الشمس".

بدورها، قالت وزارة الصحة السعودية، في كتيّب إرشاداتها الصحية للحج، إنّ المناطق التي تكثر فيها "الإصابات الحرارية" هي الطواف، خصوصاً في وقت الظهيرة، وفي المسعى، خصوصاً عند الازدحام الشديد وارتفاع درجة حرارة الجو، وفي عرفات وقت الظهيرة، وفي منى، وعند رمي الجمرات، وذلك بسبب طول المسافة والازدحام. وطلبت وزارة الصحة من أيّ حاج يشعر بالإجهاد الحراري أو التعرض لضربة شمس اللجوء إلى مكان بارد ومظلل وتبريد الجسم ورشه بالماء وأخذ قسط كافٍ من الراحة.




يقول أحمد المهدي، وهو شاب سعودي يتطوع سنوياً للعمل رفقة الطواقم الطبية في موسم الحج بعد حصوله على شهادة في الإسعافات الأولية، إنّ حجاجاً كثيرين يستهترون بضربات الشمس، ما يؤدي في النهاية إلى وفاتهم. يتابع المهدي لـ"العربي الجديد": "هذا العام جاء التعميم من أعلى المستويات بأنّ درجات الحرارة ستكون مرتفعة جداً، لذلك لا مجال للتهاون فيها، وتمت توصيتنا بإسعاف الحجاج والانتباه لهم وإجبارهم على الذهاب إلى العيادات والحصول على قسط من الراحة إن استلزم الأمر، لأنّ أيّ زيادة في معدلات الوفيات ستؤدي إلى تشويه صورة الجهات المشرفة على الحج، وهو ما لا نريده بالطبع".