صنعاء القديمة... تراث أقدم مدن العالم في خطر

28 يوليو 2019
حربٌ على الذاكرة اليمنيّة والتاريخ (العربي الجديد)
+ الخط -
تُعد مدينة صنعاء القديمة واحدة من أقدم مدن العالم المأهولة بالسكان (منذ القرن الخامس قبل الميلاد)، كما تؤكد الروايات التاريخية التي تقول إن فترة تأسيس المدينة ترجع إلى حقبة سام بن نوح، والذي قام بإنشائها، بعد ما يعرف بحادثة الطوفان.
وتمضي صنعاء القديمة التي أدرجتها منظمة الأمم المتحدة للتربية والثقافة والعلوم "يونسكو" على قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر، بشكل متسارع نحو الاندثار، بفعل الممارسات المستمرة التي تشوّه طرازها المعماري الفريد.

الزائر لمدينة صنعاء القديمة، اليوم، ما أن يضع قدميه في أحد أزقتها، ستواجهه شعارات وألوان خضراء مبعثرة على جدرانها. وقد بدأت هذه الظاهرة تنتشر منذ عام 2014، بعد أن سيطرت جماعة الحوثي على المدينة، وأخذت تعمل على وضع شعاراتها في كلّ مكان، دون أي اعتبارات لحرمة الأماكن التاريخية والأثرية، وفي مقدّمها صنعاء القديمة.

حفريات داخل المنازل
لم يتوقّف الأمر عند هذا الحد، خصوصاً بعد أن قامَ عددٌ من النافذين والتابعين لجماعة الحوثي خلال الفترات الأخيرة، ببناء منازل لا تشبه بيوت صنعاء، والمشيدة من الطوب الطيني ذي اللون البني الذي يمنح المنطقة القديمة مظهراً جميلاً وإحساساً فريداً. كما يقوم بعضهم خلال الفترات الأخيرة بممارسات كارثية، من بينها عمليات الحفريات داخل المنازل، وهو مما يهددها بالانهيار. وغالباً ما يلجأ البعض لذلك بحثاً عن مجوهرات وآثار، يقال أنها مدفونة، ويتم بيعها لسماسرة ومهربين.

ولكن الشاهد الأبرز لإهمال وتدمير تاريخ وتراث صنعاء القديمة، هو مشهد الخراب الذي حلّ بها نتيجة استهدافها بغارات جوية للتحالف الذي تقوده السعودية في 12 يونيو/ حزيران 2015، وأسفر عن تدمير عددٍ من منازلها القديمة، وأحدث أضراراً بالغة في المكان، لا تزال آثاره موجودة حتى اليوم.

التراث المهدد بالخطر
وحاول بعض سكان المدينة، خلال العام الماضي، نقل مخلفات تلك المنازل التي دُمّرت بغارات التحالف، فيما تم تسوية مواقع بعض المنازل الأخرى في الأرض، وترميم وإنقاذ ما يمكن إنقاذه من قبل الأهالي. مجمل هذه التداعيات جعلت منظمة اليونسكو تعلن في الثاني من يوليو/ تموز 2015 إدراج مدينة صنعاء القديمة ومدينة شبام بحضرموت (شرق اليمن)، ضمن قائمة التراث العالمي المهدد بالخطر. وذلك بعد أن كان قد تم إدراج الأولى على قائمة يونسكو للتراث العالمي عام 1986.

ولا تتردد المديرة العامة ليونسكو، إيرينا بوكوفا، في التعبير عن تأثرها بما حصل لواحدة من أقدم جواهر الحضارة الإسلامية، أي مدينة صنعاء القديمة. ومن بين ما قالته، بأنها أصيبت بالصدمة عندما شاهدت صور تدمير منازل المدينة البرجية. ويعتبر بعض اليمنيين بأن تلك التشوهات التي تطاول المعالم الحضارية والمعالم التي يصل عمرها لآلاف السنين، تعدُّ جزءاً من الحرب على الذاكرة اليمنيّة والتاريخ.

ممارسات الحوثي
وفي حديث مع "العربي الجديد"، اكتفى مسؤول في وزارة الثقافة اليمنية التابعة للحكومة الشرعية، بتحذير جماعة الحوثي من تشويه وتدمير الآثار والمعالم التاريخية، من خلال استخدام جدران وأسوار وبيوت صنعاء القديمة لنسخ شعاراتها الطائفية بأصباغ وألوان مصنوعة من مواد كيمائية ضارة، تؤدي إلى إتلاف الألوان الأصلية لتلك المنازل.



تدخل القانون الدولي
والمفارقة في الأمر، أن كل هذا الضرر في المدينة القديمة في صنعاء، حدث خلال أربع سنوات فقط. سابقاً، استطاعت صنعاء الحفاظ على تراثها ومبانيها، والمتمثلة في 103 مسجدًا و14 حماماً تراثياً و6000 منزل، بُنيت جميعها قبل القرن الحادي عشر. وتم ترميم الكثير منها من خلال حملة كبيرة أطلقتها اليونسكو في أواخر ثمانينيات القرن الماضي. وقد أولى القانون الدولي المعالم الثقافية والطبيعية والبيئية أهمية خاصة أثناء الحروب، إذْ حرّمت اتفاقيتا لاهاي لعام 1899 و1907 تدمير ملكية العدو أو حجزها، وتحظران مهاجمة أو قصف المدن والقرى والبيوت والمباني المجردة من وسائل الدفاع، بأي وسيلة كانت.
المساهمون