صديق السيسي قائداً رسمياً للاستخبارات: هيكلة جديدة لقصر الرئاسة

29 يونيو 2018
أصبح كامل رسمياً رئيساً لجهاز الاستخبارات العامة (العربي الجديد)
+ الخط -

أدى اللواء عباس كامل، أمس الخميس، اليمين الدستورية أمام الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، ليواصل ممارسة عمله في إدارة جهاز الاستخبارات العامة، ولكن بصفة رئيس الجهاز رسمياً، بعدما كان قائماً بأعمال الرئيس منذ يناير/كانون الثاني الماضي، عقب عزل القائم بأعمال رئيس الجهاز سابقاً اللواء خالد فوزي، والمحددة إقامته حتى الآن بين منزله وأحد المستشفيات التابعة للجهاز.

ويعتبر عباس كامل أول من يتولى منصباً استخباراتياً أو رقابياً بصفة رسمية، كرئيس للجهاز، منذ تولي السيسي رئاسة الجمهورية في العام 2014، إذ كان السيسي يعمد لاختيار مديري جهازي الاستخبارات العامة والرقابة الإدارية  بصفة "قائمين بالأعمال"، ليتمكن من عزلهم أو نقلهم لأي وظيفة قيادية أخرى من دون التقيد بالضوابط القانونية المعمول بها في هذا الشأن. وكان آخر شخص تولى رئاسة جهاز الاستخبارات بصلاحيات كاملة هو اللواء محمد فريد التهامي، عقب انقلاب يوليو/تموز 2013 وعزل الرئيس المنتخب، محمد مرسي.

واختار السيسي وكامل الوكيل ناصر فهمي نائباً لرئيس الجهاز، وهي المرة الأولى التي يعلن فيها رسمياً اسم نائب رئيس الاستخبارات العامة، الأمر الذي يوضح، بحسب مصادر عليمة، أن فهمي، الذي يعتبر من أبناء الجهاز وقضى فيه معظم سنوات خدمته، عكس عباس كامل الذي قضى حياته العملية في الجيش وتحديداً الاستخبارات الحربية، ستكون له صلاحيات إدارية واسعة لتخفيف الأعباء عن كامل، خصوصاً في ما يتعلق بمهام إعادة الهيكلة وإدارة الأنشطة الجديدة الاستثمارية والإعلامية التابعة للجهاز. وخرج اسم ناصر فهمي للنور مطلع العام الماضي عندما كان يشغل منصب مدير عام الجهاز للشؤون الإدارية، وسافر خصيصاً إلى الولايات المتحدة لتوقيع عقود الاتفاق مع شركتين عالميتين لتحسين صورة مصر لدى المجتمع الأميركي، كما أنه كان ممثل جهاز الاستخبارات في جلسات سرية عقدتها المجموعة التشريعية بمجلس الوزراء العام الماضي لمناقشة القوانين الخاصة بالإعلام والاتصالات والنقابات. ورغم أن تولي عباس كامل رئاسة جهاز الاستخبارات في هذا التوقيت، يبدو امتداداً لوضع قائم، يكرس تحكمه في الدائرة الخاصة بالسيسي وسيطرته على إدارة الملفات السياسية الخارجية والداخلية الأكثر أهمية، فضلاً عن تحكمه المباشر في وسائل الإعلام، غير أن "العربي الجديد" حصلت على معلومات قبل أيام من إعلان القرار توضح أن "السيسي يسعى لإعادة تموضع عباس كامل  في خريطة المجموعة الحاكمة، ليس بتقليص صلاحياته، ولكن بتركيزها في ما يخص جهاز الاستخبارات والملفات المرتبطة به، وإعادة هيكلة إدارة مكتب رئيس الجمهورية تحت قيادة شخصية جديدة، أصغر سناً".

المعلومات التي رواها مصدر عسكري مطلع، تضمنت أيضاً أن السيسي كلف رئيس الديوان الجمهوري، اللواء مصطفى شريف، بإعادة هيكلة مكتب رئيس الجمهورية ليصبح "أكثر مؤسسية"، وضم نخبة منتقاة ومجازة أمنياً واستخباراتياً من الدبلوماسيين وضباط الاستخبارات الحربية وخريجي البرنامج الرئاسي لتأهيل الشباب للقيادة ليكونوا نواة لمكتب استشاري واسع، بعدما كان المكتب يتسم بهيكل بسيط على رأسه عباس كامل ومدير مكتبه المقدم أحمد شعبان، ويعاونهما مساعدون مدنيون.




أما في ما يتعلق بمهام عباس كامل خلال الفترة المقبلة، فأوضح المصدر أن السيسي يرى الفترة القادمة "مصيرية" بشأن هيكلة الاستخبارات من خلال تطهيرها من فلول رئيسها الأسبق، عمر سليمان، وجميع الضباط غير المأمونين، أو الذين يرتبطون بعلاقات مع قيادات عسكرية أو سياسية غير مرصودة، وذلك بعدما رصدت دائرته اتصالات بين بعض وكلاء الجهاز مع رئيس أركان الجيش الأسبق، سامي عنان، وتواصل بعضهم برئيس الوزراء الأسبق، أحمد شفيق، خلال إقامته في الإمارات من دون العودة للرئاسة أو إدارة الجهاز، وكذلك اتصالات مباشرة وغير مباشرة بمعارضي التنازل عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية من نواب وحقوقيين وإعلاميين وقضاة، فضلاً عن استغلال بعض الأجنحة داخل الجهاز لنفوذهم كوكلاء بالاستخبارات العامة لتوجيه الصحف وبرامج "التوك شو"، التابعة أو القريبة من الجهاز، لتناول مواضيع غير مستحبة للسيسي ودائرته. وأدى هذا الاستغلال الإعلامي، الذي يمثل "خرقاً داخلياً في نسيج النظام"، إلى ظهور تناقض بين الخطاب الرسمي وتناول الإعلام الموالي للسلطة له في بعض المناسبات، كتضخيم معلومات تعثر مفاوضات سد النهضة في غير الأوقات التي يرغب فيها السيسي بذلك، والمعارضة الحادة في بعض الأحيان لقرار نقل السفارة الأميركية بإسرائيل إلى القدس المحتلة، والاحتفاء بالتظاهرات الرافضة، والحديث عن ضرورة وجود منافس للسيسي في الانتخابات، وإفساح المجال لبعض المعارضين للحديث في الفضائيات المملوكة أو القريبة لأجهزة النظام.

وكان السيسي أصدر في عهد المدير السابق للجهاز، خالد فوزي، 18 قراراً جمهورياً بإحالة أكثر من 200 ضابط وموظف كبير للمعاش أو للعمل الإداري بجهات أخرى، من بينهم، بحسب المصادر، المسؤولون عن ملفات الحركات الإسلامية وجماعة الإخوان المسلمين والتواصل مع حركة حماس والشؤون السودانية والإثيوبية، في إطار تطهير الجهاز من فلول عمر سليمان والمشكوك في ولائهم للسيسي شخصياً. ويلازم السيسي القلق من خلايا الاستخبارات غير الموالية له، منذ ترشح مدير الاستخبارات ونائب رئيس الجمهورية الأسبق، عمر سليمان، للرئاسة في العام 2012 بغير رضا المجلس العسكري الحاكم آنذاك بسبب الخلافات التاريخية بين سليمان والمشير حسين طنطاوي، الذي يعتبره السيسي بمثابة والده الروحي، خصوصاً أن فترة ترشح سليمان، وما تلاها من استبعاده، ثم تعاون بعض أجنحة الجهاز مع نظام حكم جماعة الإخوان المسلمين أثبتت للسيسي وغيره أن النواة الصلبة للجهاز ما زالت تدين بالولاء لسليمان ولن تقبل الانضواء تحت إدارة الجيش.

وكان أول قراراته بعد عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو/تموز 2013 الإطاحة بمدير الاستخبارات، رأفت شحاتة، الذي كان ابناً لجهاز الأمن القومي وصاحب باع طويل في متابعة الملف الفلسطيني تحديداً، وعين بدلاً منه اللواء محمد فريد التهامي الذي كان عمل من قبل في الاستخبارات العامة والرقابة الإدارية، لكنه قضى معظم مشواره المهني في الاستخبارات الحربية وكان رئيساً للسيسي نفسه وأحد معلميه، وذلك بهدف إحكام الرقابة على الجهاز. كما نقل ابنه محمود من الاستخبارات الحربية للعمل بالمكتب المعاون للتهامي. أما اختيار خالد فوزي قائماً بأعمال مدير الجهاز في ديسمبر/كانون الأول 2014 فكان أفضل المتاح بالنسبة للسيسي في ذلك الوقت، نظراً لمرض التهامي الشديد، والذي أعجزه عن متابعة عمله. وكان اختيار فوزي تحديداً من بين قيادات الجهاز لأنه لم يكن محسوباً على عمر سليمان، بل كان يعتبر مستقلاً عن الأجنحة المتصارعة ولم تكن له "شلة"، فضلاً عن أنه يعتبر من أبناء الاستخبارات الحربية القدامى أيضاً، علماً بأن الجيش يعتبر الرافد الأساسي لتزويد الاستخبارات العامة بالضباط. وجاء اختيار السيسي صديقه عباس كامل على رأس الجهاز بشكل مؤقت ثم رسمياً أخيراً، ليؤكد عدم ثقة السيسي في قيادات الجهاز، وتخطيطه لتدشين نظام جديد لإدارته بنخبة جديدة من الضباط الموثوقين.