شعراء في المهجر

05 مارس 2016
الشعرعندهما روح وقضية وطن (مواقع التواصل)
+ الخط -
أن تكون شاعراً يعني أن تستطيع جر الجهات الأربع، هكذا يقول الراحل الشاعر محمد العجيل، أن تستشف الماء من الأخاديد العميقة من روحك، أن تخرج قلبك وتشده بحبل لتجر الجهات إلى هاوية المجهول وتعرف الأسماء كلها مثل أبيك في الأزل.

يقول واسيني الأعرج: "الكتابة شيء خطير، أكثر من مجرد كلمات مرصوصة في خط مستقيم ككتيبة عسكرية منضبطة، تخبئ كل هزائمها في صرامتها المبالغة، هي القدرة على كسر عنق الموت والضحك من سطوته وجبروته الزائف ولو للحظة، هكذا أنتقم من الموت عندما أفتقد إلى وسائل دحره".

"عيسى الشيخ حسن" و"محمد المطرود" من القلائل الذين صنعوا للكلمة كيانا مختلفا وجروا الجهات الأربع إلى هاوية الروح.

في عام 1982 كانت الومضة الأولى لعيسى وفي عام 2015 صدر ديوان "مروا عليّ" وبينهما كانت "يا جبال أوبي معه"، وأيضاً "أمويون في حلم عباسي" وديوان "أناشيد مبللة بالحزن"، تاريخ طويل من صناعة الألم والأمل في ديوان (مروا عليَ)، قراءة للروح المعذبة في قفص الجسد تستنجد الحنين من الماضي، تتمرغ في ظلال الذكرى ثم تفيض المشاعر من مروا عليّ:

عرفتهم من نفثة الحبر القليلة
في سطوري
كنت عرفتهم.. سرباً من الموتى
أطالوا في احتمالات القصيدة
رفرفوا في أضلعي
فحسبت أن خيامهم نصبت عليَ
وجـففت تعبي

أما الشاعر والناقد محمد المطرود صاحب ديوان "سيرة بئر"، كأن أوجاع المتنبي وأبي فراس الحمداني قد صبت عليه، يصور لنا المطرود في ديوانه الجديد "اسمه أحمد وظله النار" صورة العبور من التيه إلى الأمل والطموح في قالب من الرومنسية القاتلة:

لماذا تركت جثتك في جثة الأهل يا أحمد وجئت من غيرك؟
كنت أحمد واكتفيت باسمي حين خلعت روحي على جثتي
هناك لتدفئها من البرد ومن رصاصة أخرى، لمحت كل أهلي
بلا جثث وأرواحهم تحف بي، كان يكفي أن أذكّرهم بأيامنا
التي تمشي على رأسها مسرعة ليتلمسوا جسدي ويشعروا
بمروري بالقرب منهم

لتجسد أسطورة خلق الكلمة بأبعادها ودلالاتها وكسر كل قيودها فالشعر عند عيسى الشيخ ومحمد المطرود روح وقضية وطن لا يمكن تصور الحياة بدونهما.

في ديوان "مروا علي" تشاهد ألف ليلة وليلة بشكل تتحسس أنفاس صدرك، دقات قلبك ترى حادي العيس والهوادج وقوافل الراحلين يسلب روحك في رحلة على بساط الريح.

أما محمد المطرود في ديوان "اسمه أحمد وظله النار" تكاد تسمع هسيس النار في صدره يجر بحور الشعر ليجلسها على كرسي الانتظار، تسمع هدير البحر وحفيف الشجر تحاول ألا تتعثر بجثة في طريقك إلى العبور أو الهروب الكبير إلى بلاد الحرية، ليس شاعراً فقط بل جراحٌ حاذق أو بحار عريق يخرج سفينته من وسط العباب الهائج إلى مرساة السلامة، تسبح الأحلام معه في دموعها، يختبئ في حضن أنثى قبل أن يخدش جلده السياج الفاصل بين الموت والحياة، كل ذلك في قالب الملحمة العظيمة في العبور، المطرود (غلغامش) في رحلة الموت يبحث عن الحياة.

وعيسى الشيخ حادي العيس في "مروا علي" يكاد يسمعك خطاهم وهم يغيبون خلف الأفق، محمد المطرود يكاد يسمعك هسيس النار بين ضلوعه، ولكل منهما أسلوبه الخاص، لكنّ قاسماً مشتركاً بينهما وهو الإبداع الأدبي في كل جوانبه، وعلى الرغم من أنهما غريبين وفي بلاد المهجر، ولكنك تحس بأنفاسهما مع كل نسمة تعبر المسافات لتنام قريرة العين في أرض الوطن.

(سورية)

دلالات
المساهمون