وُلِد الفنان شريف محرم في قرية عرب عزّة التابعة لمدينة حلب في سورية عام 1954، ويحدّثنا عن ولادته، فيقول: "لا أنسى أنّ أمّي ولدتني في الحقل، وهي تعمل. لقد لامس الشوك والحصى والتراب جسدي، وربما خلق هذا بداخلي شيئاً من القسوة. لا أنسى مطلقاً الطفل شريف محرّم، وهو يركض في شوارع القرية حافي القدمين يتعثر بحجر ثم يقفز ويقفز حتى يستند إلى حائط ويرش على جرحه التراب حتى يتوقف الدم. وحين جئت إلى المدينة كنت حافياً، لذلك فأنا أزّين لوحتي، وأنا حافي القدمين، وقد أولول وأصرخ عندما تنتهي اللوحة".
هاجس الإبداع
التصقت بذاكرته إذن البيوت الطينية ذات القباب، والشوارع غير المعبدة، والأبواب الخشبية التي لا تغلق، والنوافذ التي تدخل منها الشمس والهواء مع الغبار، والتصقت به أكثر رائحة النساء بثيابهن المزركشة بألوان الحياة، وهنّ يعملن في الحقل، أو يقمن بإعداد خبز التنور الذي لم تفارق رائحته أنف الفنان، رغم تقدمه في السن. وقد قدمه الفنان فاتح المدرّس بقوله: "جاء شريف محرّم يحمل سرّه معه، وتفتّح بشكل طبيعي على اللون وإنسان هذا اللون. إنّه ابن بيته وإبداعاته أمينة لهذه البيئة، لقد منحته الطبيعة حسن التوازن الدقيق والامتداد العريق للجذور والفروع كتلك الأرض التي جاء منها".
لقد دمج الفنان محرّم في أعماله بين عوالم البنائية العقلانية والبحث عن عفوية لونية مفتوحة على العواطف والانفعالات، لما تحتويه هذه من تلقائية وارتجال. وهذا يعني تجاوز المؤشرات الواقعية في اتجاه العمق الآخر عبر التأكيد على مظاهر الألوان القاتمة التي شكلت اللون العفوي، والذي يعطي اللوحة الهاجس التعبيري لمنطلقات الصياغة اللونية. ولم يكن الفنان شريف محرّم حالة عابرة، فقد كانت لفنه نكهته الخاصة، وهاجسه الوحيد كان الإبداع والعمل والعطاء، رغم شلل يده اليسرى، والعمل بيد واحدة مفجراً طاقاته الإبداعية على سطح بياض اللوحة.
تجذر الماضي
غادرت أسرة شريف محرّم القرية، وسكنت "حي الهلك" في حلب، وهو حي شعبي فيه كافة المهن، كما يضم قوميات متعدّدة، من عرب وأرمن وأكراد وتركمان وغيرهم. وهناك بدأ يخربش بألوانه على دفاتر المدرسة، وفي كلّ مكان. إثر ذلك انتبهت إليه أمّه ومعلمة الصف، فكانتا توجهانه إلى الطريق الصحيح كي لا يبعثر ألوانه في كلّ مكان.
بدأ شريف محرّم بالكتابة على اللوحات بشيء من الأشعار ومن الكتاب المقدس، بينه وبين الأصدقاء وبينه وبين اللون والنافذة، وكأنه يقول صباح الخير ومساء الخير لكلّ الألوان، لكلّ الشرفات المطلّة على زمنه، لكنه يعود ليقول: "ليس المهم أن نتفرج على اللوحات، المهم أن نعمل. نحن نعيش في محراب حزن واحتراق". إنّ الماضي يتجذر في أعماله، فلا يستطيع أن يعيش بدونه ويجب أن يحافظ على هذا المحراب نظيفاً بعيداً عن تلوث المدينة، وربمّا تكون صلاته في اللوحة هي احتراق كامل. إنه يشبه الفحم الذي تتراكم عليه الصخور والتراب، مع عوامل أخرى، لها علاقة بالزمن يتحول إلى ذرّة نادرة في الطبيعة، هي الماس. إنّ أي احتراق في الطبيعة، يتحول إلى جوهر، يقول شريف: "أنا قطعة فحم تتحول أمام قسوة الطبيعة، إلى ذرّة قاسية وجميلة ونادرة، لتصير ذرّة ماس مرمية في التراب. أشبّه العمل في لوحاتي بحياكة الإبرة، وفيه الطهارة، فيه الصبر، وفيه الحكمة، فإذا وصلت إلى ما أريد، فإنني أصل إلى الطهارة، طهارة النفس، وهذا كلّ ما أريده".
اقــرأ أيضاً
انتسب شريف محرّم إلى مركز فتحي محمّد للفنون التشكيلية بحلب، وصار يتابع كلّ ما يدور حوله من فن وفنانين وألوان ولوحات، فإذا به يتفوق على أقرانه، ما جعل مدرسيه وإدارة المركز يكرّمونه، ويأخذون لوحة له ويجعلونه يشارك في المعرض السنوي للمركز.
هاجس الإبداع
التصقت بذاكرته إذن البيوت الطينية ذات القباب، والشوارع غير المعبدة، والأبواب الخشبية التي لا تغلق، والنوافذ التي تدخل منها الشمس والهواء مع الغبار، والتصقت به أكثر رائحة النساء بثيابهن المزركشة بألوان الحياة، وهنّ يعملن في الحقل، أو يقمن بإعداد خبز التنور الذي لم تفارق رائحته أنف الفنان، رغم تقدمه في السن. وقد قدمه الفنان فاتح المدرّس بقوله: "جاء شريف محرّم يحمل سرّه معه، وتفتّح بشكل طبيعي على اللون وإنسان هذا اللون. إنّه ابن بيته وإبداعاته أمينة لهذه البيئة، لقد منحته الطبيعة حسن التوازن الدقيق والامتداد العريق للجذور والفروع كتلك الأرض التي جاء منها".
لقد دمج الفنان محرّم في أعماله بين عوالم البنائية العقلانية والبحث عن عفوية لونية مفتوحة على العواطف والانفعالات، لما تحتويه هذه من تلقائية وارتجال. وهذا يعني تجاوز المؤشرات الواقعية في اتجاه العمق الآخر عبر التأكيد على مظاهر الألوان القاتمة التي شكلت اللون العفوي، والذي يعطي اللوحة الهاجس التعبيري لمنطلقات الصياغة اللونية. ولم يكن الفنان شريف محرّم حالة عابرة، فقد كانت لفنه نكهته الخاصة، وهاجسه الوحيد كان الإبداع والعمل والعطاء، رغم شلل يده اليسرى، والعمل بيد واحدة مفجراً طاقاته الإبداعية على سطح بياض اللوحة.
تجذر الماضي
غادرت أسرة شريف محرّم القرية، وسكنت "حي الهلك" في حلب، وهو حي شعبي فيه كافة المهن، كما يضم قوميات متعدّدة، من عرب وأرمن وأكراد وتركمان وغيرهم. وهناك بدأ يخربش بألوانه على دفاتر المدرسة، وفي كلّ مكان. إثر ذلك انتبهت إليه أمّه ومعلمة الصف، فكانتا توجهانه إلى الطريق الصحيح كي لا يبعثر ألوانه في كلّ مكان.
بدأ شريف محرّم بالكتابة على اللوحات بشيء من الأشعار ومن الكتاب المقدس، بينه وبين الأصدقاء وبينه وبين اللون والنافذة، وكأنه يقول صباح الخير ومساء الخير لكلّ الألوان، لكلّ الشرفات المطلّة على زمنه، لكنه يعود ليقول: "ليس المهم أن نتفرج على اللوحات، المهم أن نعمل. نحن نعيش في محراب حزن واحتراق". إنّ الماضي يتجذر في أعماله، فلا يستطيع أن يعيش بدونه ويجب أن يحافظ على هذا المحراب نظيفاً بعيداً عن تلوث المدينة، وربمّا تكون صلاته في اللوحة هي احتراق كامل. إنه يشبه الفحم الذي تتراكم عليه الصخور والتراب، مع عوامل أخرى، لها علاقة بالزمن يتحول إلى ذرّة نادرة في الطبيعة، هي الماس. إنّ أي احتراق في الطبيعة، يتحول إلى جوهر، يقول شريف: "أنا قطعة فحم تتحول أمام قسوة الطبيعة، إلى ذرّة قاسية وجميلة ونادرة، لتصير ذرّة ماس مرمية في التراب. أشبّه العمل في لوحاتي بحياكة الإبرة، وفيه الطهارة، فيه الصبر، وفيه الحكمة، فإذا وصلت إلى ما أريد، فإنني أصل إلى الطهارة، طهارة النفس، وهذا كلّ ما أريده".
انتسب شريف محرّم إلى مركز فتحي محمّد للفنون التشكيلية بحلب، وصار يتابع كلّ ما يدور حوله من فن وفنانين وألوان ولوحات، فإذا به يتفوق على أقرانه، ما جعل مدرسيه وإدارة المركز يكرّمونه، ويأخذون لوحة له ويجعلونه يشارك في المعرض السنوي للمركز.