شارلي إيبدو ونبوءة ويلبيك

12 يناير 2015

المجلة في مسيرة تضامن في بروستيل ببريطانيا (10 يناير/2015/Getty)

+ الخط -

هي مصادفة. حمل غلاف العدد الأخير من مجلة "شارلي إيبدو" رسما كرتونياً للروائي الفرنسي المثير للجدل، ميشال ويلبيك، الذي تصدر آخر رواية له بالتوازي التام، العجيب، والهجمة الإرهابية على المجلة الفرنسية الساخرة، التي يقال فيها ما يقال، سوى أنها تستحق هذا المصير الدموي. الأغرب تلك التغريدة المنسوبة للمجلة، وتحمل رسماً كرتونياً للبغدادي، وتقول: لم يحصل هجوم على فرنسا، فيما يقول الرجل تحت العمامة: انتظروا حتى نهاية يناير! هذه التغريدة، المريبة، بثها "تويتر" المجلة، في لحظة الهجوم. بعضهم يقول: إنه اختراق، ولا يعقل أن تستجلب المجلة على نفسها هذا النحس العاجل. بصرف النظر عمّن أرسل تغريدة البغدادي، فالأكيد هو غلاف المجلة. وها إنني أنظر إليه. ميشال ويلبيك بزي العرّافين، أنف ضخم كحبة يقطين عملاقة، وسيجارة متصاعدة الدخان يقول: في عام 2015 فقدت أسناني، وفي 2022 أصوم رمضان!
هذه نبوءة الكاتب الذي صار متوقعاً منه مثل هذه الخراريف. كلامه عن المستقبل إشارة إلى مضمون روايته الجديدة "استسلام" (يتلاعب فيها على كلمة تسليم وإسلام حسبما قرأت لأكثر من زميل عربي يقيم في باريس)، ويتنبأ فيها بوصول رئيس مسلم، يدعى محمد العباس، إلى الإليزيه، فيأخذ في "أسلمة" المجتمع الفرنسي. لكنَّ اللافت أن عهده سيشهد استقراراً سياسياً وازدهارا اقتصادياً، بعد مرحلة من الانهيار السياسي والاقتصادي، فتختفي الجريمة من الضواحي، وتنتهي البطالة بين الشباب، بعد أن تعود النساء إلى البيوت، ويسمح بتعدد الزوجات!
صدفة أن يكون ويلبيك على غلاف "شارلي إيبدو" الأخير، لكن موضوع روايته "استسلام" ليس صدفة، وهو القائل علناً إن الإسلام أغبى الأديان. ففي لحظةٍ يزحف فيها اليمين المتطرف إلى قلب المشهد السياسي الفرنسي، وتصبح "الهوية" والتهديدات التي تتعرض لها أسخن قضايا الجدل السياسي، لا يأتي صدور رواية ويلبيك صدفة. بالعكس، إنها جزء من هذه الحمى المتعلقة بالهوية والمهاجرين ونمط العيش والقيم الفرنسية التي لا يتوقف الإعلام الفرنسي عن النفخ في كيرها، ويجد في حوادث متفرقة دليلاً على وجاهة أكيدة لمخاوفه. ما يكتبه ويلبيك يصبُّ في قلب الجدل القائم في فرنسا، قبل مذبحة "شارلي إيبدو"، فكيف سيكون وقع الرواية، عندما تصدر بمئات آلاف النسخ إلى الشارع الفرنسي المكلوم؟
أبلغ ما قرأته بخصوص رواية ويلبيك هذه (وربما غير رواية له) ما معناه أن هلوسات اليمين المتطرف وجدت طريقها إلى الأدب العظيم، إشارة، بالطبع، إلى الأهمية الأدبية لكتابة ميشيل ويلبيك.
يبقى أن نعرف أنَّ استضافة ويلبيك على غلاف العدد الأخير من "شارلي إيبدو" منسجمة مع خطها العام الساخر، حتى حدود إثارة "المشاعر" الدينية (للمسلمين على الأقل). فهذه مجلة سبق وفعلت الكثير على هذا الصعيد. سبق أن أغضبت غير المسلمين أيضاً. شرشحت سياسيين وقادة رأي وأحزاب ورجال دين. يمكن القول إنه ليس عندها "لحية ممشطة" حسب المثل الشعبي. قد نكرهها. قد نعتبرها مستفزة. قد نراها متقصدة الإساءة للإسلام والمسلمين. غير أن ذلك لا يبرر، أبداً، المقتلة الرهيبة التي قضت على طاقم تحريرها. الكلام لا يواجه بالسيف. هذا جبن وغدر. والأسوأ أن يسلّ السيف باسم دين وعالم كاملين. من أوكل لأولئك المجرمين، خريجي السجون والنوادي الليلية، أن يتكلموا باسم دين، أو مجتمع؟ فأي مجتمع ودين قال لهؤلاء الذين خرجوا، مثل الجرذان، من تحت الأرض، اذهبوا واردوا برصاصكم أناساً يتحلقون حول طاولة، يناقشون مواد صحافية وفنية ووجهات نظر سياسية؟
لا تبرير للجريمة. التبرير مشاركة فيها. البحث عن أعذار أو مسوغات، أو خلفيات، لفهم ما حدث غير مفيد. مشاكلنا وقضايانا المزمنة، مع الغرب (أي غرب؟) لا تحل بهذه الجرائم، فلن يموت الغرب بضربة سيف أو حزام ناسف.
 


 

E7B23353-660D-472F-8CF3-11E46785FF04
أمجد ناصر

شاعر وكاتب وصحفي من الأردن