لسبب ما، لم يتطوّر فن كتابة السيرة العربي، وعبر أكثر من مئة سنة لم يخرج من طور الإرهاصات. لم يتطور هذا الفن ولم يرس تقاليد ولم يفرز كتّاب سيرة محترفين يقوم عملهم على بحث وضوابط موضوعية.
بقيت سير شخصيات الفن والسياسة والثقافة والاجتماع رهينة للأهواء السياسية واختزالات الصحافة، وفي أحسن الأحوال تُركتْ السير وأصحابها لأقاربهم وحفنة من معجبيهم.
شهد فن السيرة انفراجات متقطعة، لعل أبرزها موجة من السير الذاتية لأهل الثقافة والسياسة تتابعت منذ ثمانينيات القرن الماضي. لكن السير الغيرية بقيت حقلاً مهجوراً تتخلله محاولات متقطعة وكتب قليلة لا تستند غالباً إلى بحث جدي، وقلّما واصل أصحابها طريقهم في كتابة السيرة الغيرية.
هل يُعقل أننا لا نجد كتاب سيرة يمكن الرجوع إليه بخصوص حياة وتجربة فنانة بحجم أم كلثوم، وأن سير أجيال من الموسيقيين -وبطبيعة الحال الكتّاب والمفكرين وغيرهم من الشخصيات العامة؛ ضاعت أو تُركت لكتب تجارية سيئة الإعداد والإخراج تحمل عناوين من قبيل "فلانة، حياتها وأغانيها"، ولا تزيد في الغالب عن معلومات شائعة مقتطعة من مقالات غير متخصصة ورقن يعجّ بالأخطاء لكلمات أغاني "الفنانة الخالدة".
كتابة السير هي شكل من أشكال كتابة التاريخ، والأرجح أن سيراً عربياً كثيرة ستبقى تطوّف في الضياع والنسيان، حتى تلك اللحظة التي نستطيع فيها أن نواجه تاريخنا وأن نكتبه.
اقرأ أيضاً: عالم بلا سكايب