يشدد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) إجراءاته الأمنية في مناطق سيطرته في سورية، حيث فرض قواعد صارمة على تنقّل السكان داخل مناطق نفوذه، ومنع النساء من الخروج منها بشكل نهائي، الأمر الذي أدى إلى تعطيل مصالح السكان الذين كانوا ينتقلون بشكل دائم بين مناطق التنظيم ومناطق كل من المعارضة السورية والنظام السوري بشكل يومي لمتابعة أشغالهم ودراستهم وقضاء مختلف حاجاتهم.
ويفرض التنظيم على سكان المناطق الخاضعة لسيطرته، قواعد صارمة يوردها ديوان الحسبة في مدينة الرقة، وهو الهيئة المسؤولة عن التعامل مع السكان في بيان أصدره منذ أيام قليلة، لناحية تنقلهم داخل هذه المناطق وتنقلهم منها إلى مناطق سيطرة كل من المعارضة والنظام. ويمنع التنظيم سفر النساء خارج الرقة، إلى منطقة داخل مناطق سيطرة التنظيم، بدون محرم، أي بدون مرافقة زوجها أو قريب لها يحرم عليها الزواج به شرعاً، لكنّه يسمح للنساء اللواتي بلغن أكثر من خمسين عاماً السفر في مناطق سيطرته، بدون محرم شرعي في حال رغبن بالتنقل.
ويمنع "داعش" النساء من مغادرة المناطق الخاضعة لسيطرته، نحو مناطق سيطرة كل من النظام السوري والمعارضة السورية والأراضي التركية بشكل نهائي. ويصف هذه المناطق بـ"بلاد الكفار"، التي يمنع النساء من السفر إليها مطلقاً، إلا في حالة الضرورة المرضية القاهرة وبوجود تقرير طبي يثبت الحاجة للعلاج خارج مناطق سيطرة "داعش".
ويحرم قرار "داعش" مئات الطالبات من التوجّه لتقديم الامتحانات في الجامعات السورية، الواقعة في مناطق سيطرة النظام السوري، كما يمنع الموظفات في المؤسّسات الحكوميّة السوريّة من التوجّه نحو مناطق سيطرة النظام السوري لقبض رواتبهن.
وفي ما يتعلّق بالشبّان، يمنع "داعش" استخدام وسائل النقل العامة بدون حمل ما يثبت هويتهم، ويشدد تعليماته للحواجز العسكرية التابعة له بعدم تمرير أي شاب أو رجل بدون الاطلاع على الأوراق التي تثبت هويته، كما يمنع حافلات النقل من إنزال أي راكب أو نقل أي راكب من خارج الكراجات التي حددها التنظيم بحيث يتمكن من فرض رقابته الأمنية عليها.
وفي ريف حلب الشمالي، يواصل التنظيم التشديد على السكان الذين يتنقلون بين مناطق سيطرته ومناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي، حيث تقوم حواجز التنظيم بعملية تفتيش دقيقة لكلّ سيارة تدخل أو تخرج من مناطق سيطرتها، وهو ما يسبّب تأخيراً كبيراً للمسافرين الذين باتوا يضطرون إلى قطع مسافات مضاعفة للوصول إلى الأماكن التي يقصدونها، بحكم تداخل مناطق سيطرة كل من "داعش" والمعارضة والنظام.
ويوضح الناشط أسامة العلي لـ "العربي الجديد"، أن "حواجز التنظيم باتت تسأل في الأيام الأخيرة، الشباب المتوجهين من مناطق سيطرتها نحو مناطق سيطرة المعارضة في ريف حلب الشمالي عن وجهتهم الحقيقية، وما إذا كانوا ينوون التوجه نحو الأراضي التركية، انطلاقاً من اعتبارها أنّ التوجه للأراضي التركية قرينة على التعاون مع تشكيلات المعارضة السورية السياسية والمسلحة التي توجد مكاتبها في مدن تركيا القريبة من الحدود السورية".
ويشير العلي إلى أنّ "معبر الراعي غير الرسمي وهو المعبر الوحيد الذي كان يعتمد عليه سكان مناطق سيطرة "داعش" في ريف حلب الشرقي للعبور، بمساعدة مهربين نحو الأراضي التركية بقصد العمل، قد تمّ إغلاقه عملياً بسبب الرقابة الشديدة التي يفرضها التنظيم في المنطقة القريبة من الحدود التركية في مناطق سيطرته بريف حلب الشرقي".
ويمنع "داعش" السفر نهائياً باتجاه تركيا من نقطة الراعي، لكنّه يستثني، وفق العلي، المرضى الراغبين بالتوجّه للعلاج في تركيا، والذين يسمح لهم بعبور الحدود بعد حصولهم على إذن من ديوان الحسبة في مدينة الباب القريبة، والتي يسيطر عليها، شرقي حلب".
وفي محافظة الرقة، الواقعة إلى الشرق مباشرة من حلب، والخاضعة لسيطرة "داعش" بالكامل، يبدو أنّ رقابة التنظيم على الحدود التي تفصل بين مناطق سيطرته في ريف الرقة الشمالي والأراضي التركية، لم تصل إلى مستوى المنع الكامل للسكان من التنقّل على جانبي الحدود.
وفي سياق متّصل، يوضح الناشط زيد الفارس لـ "العربي الجديد"، أنّ معبر التهريب في منطقة المنبطح، القريبة إلى مدينة تل أبيض الحدودية، ما زال يعمل ويعبره الراغبون في التنقل عبر جانبي الحدود يومياً من المنطقة التي لا تشهد وجوداً كثيفاً لعناصر "داعش". لكنّه يشير في الوقت ذاته، إلى أنّ مضايقات حواجز داعش للشبان الذين يتنقلون في مناطق سيطرته ورقابته الصارمة عليهم ما زالت في ازدياد مطرد".
ويقول إنّ الحواجز تمنع الشبان من ارتداء الجينز وسواه من الملابس العصرية، كما تواصل إهانة وشتم الشبان الحليقي اللحى وتقوم بتفتيش دقيق لأجهزتهم النقالة وحواسيبهم، بحثاً عن أي اتصالات لهم بجماعات المعارضة السورية أو صور قد يكون أحدهم التقطها للأماكن العامة أو للمباني، حيث توجد مؤسسات "داعش" الأمنيّة أو العسكريّة أو حواجزه.
ويبدو أنّ تنظيم "داعش"، يسعى من خلال إجراءاته الأخيرة إلى عزل السكان في مناطق سيطرته عن السكان في مناطق سيطرة المعارضة السورية والنظام السوري بشكل كامل. كما أنه يسعى إلى احكام قبضته الأمنيّة على السكان في مناطق سيطرته، خصوصاً مع تداخل هذه المناطق الكبير بمناطق سيطرة المعارضة بريف حلب، الأمر الذي قد يشكل خطراً أمنياً على مناطق سيطرة التنظيم، بسبب خوفه من شنّ قوات المعارضة أو جبهة النصرة لهجمات مفاجئة داخل مناطق سيطرته. ويضاف إلى الأهداف التي يسعى التنظيم لتحقيقها من خلال القبضة الأمنية الحديدية التي تفرضها حواجزه العسكرية، سعيه إلى إظهار القوة والسيطرة على السكان، بحيث لا يجرؤ أحد منهم على الاعتراض على ممارساته.