سناء: خسرتُ القدرة على الإنجاب

04 فبراير 2017
علاج يطول (كريس هوندروس/ Getty)
+ الخط -

سناء مغربيّة في الرابعة والثلاثين من عمرها. تروي حكايتها مع مرض السرطان، وتنقلها "العربي الجديد".

كان اكتشاف إصابتي بالسرطان مفاجئاً جداً. لم أكن أشعر بأيّ شيء. لكن ذات يوم، قبل نحو سنة، نصحتني جارتي بمراجعة طبيبتي المتخصصة في الأمراض النسائية بعد عارض صحيّ عاديّ ألمّ بي. فعلت، فطلبت منّي فحوصات وتحليلات بيّنت أنّني مصابة بـسرطان عنق الرحم.

ما زلت أذكر كيف قالت لي الطبيبة: "أنتِ مصابة بداء السرطان". كنت أسمع عن "المرض الخبيث"، لكنّني لم أتوقّع يوماً أن أصاب به. قبل أن تطلق طبيبتي في وجهي تلك العبارة الصادمة التي هزّتني من الأعماق، حاولت أن تمهّد لي الطريق لتقبّل المرض نفسياً. راحت تذكّرني بأنّني مؤمنة بقضاء الله وقدره، وأكّدت لي أنّ كلّ الأمراض قابلة للعلاج شريطة أن تكتشَف في بداياتها، أي قبل أن يستفحل الداء ويتفشّى ويصبح مستعصياً. حينها، قلتُ في نفسي إنّ طبيبتي سوف تعلمني بإصابتي بمرض يحتاج إلى أدوية باهظة الثمن أو بآخر ليس ببسيط. قد يكون أيّ مرض. لكنّه لم يخطر لي قطّ أنّها سوف تخبرني بأنّ السرطان نال من عنق رحمي، وبأنّني أحتاج إلى علاج إشعاعي وإلى علاج كيميائي من أجل تدمير الخلايا السرطانية التي قد تنتشر في كامل الرحم.

في تلك اللحظات، شعرت بدوار، وكاد أن يُغمى عليّ وأسقط أرضاً. لكنّني تداركت الأمر، وحاولت الصمود أمام الخبر الصاعقة، خصوصاً أنّ طبيبتي راحت تساعدني بطريقتها الخاصة على تقبّل المرض، ومنحتني جرعة من الأمل. فالعلاج ممكن ومتاح.

وأتذكّر اللحظات التي تلت. تلك اللحظات التي اضطررت خلالها إلى مواجهة الأصعب. كان عليّ إخبار زوجي وأسرتي. تضاربت الأفكار في ذهني. فكّرت أن أخفي الأمر برمّته عن زوجي، أو أن أخبره هو فقط وأخفي النبأ السيئ عن والدَي وشقيقاتي. وقعت في حيرة كبيرة، امتدّت على طول المسافة بين عيادة الطبيبة وبيتي في مدينة فاس.

طرقت الباب، فاستقبلني طفلاي بضحكتهما البريئة، وسألاني ماذا أحضرت لهما من حلويات كنت قد وعدتهما بها. كان وجهي شاحباً ونبضات قلبي متسارعة. لم أستطع الإجابة، ودخلت غرفة نومي وأجهشت بالبكاء. لم أتمكّن من التحكّم بذلك. رحت أصرخ وأنتحب كما لم أفعل طيلة حياتي.




في المساء، وصل زوجي ليجدني منهكة ومحطّمة تماماً. كان وجهي أصفر وقواي خائرة، وكان الولدان يبكيان لأنّهما جائعان. لم أقدر أن أقف على رجلَيّ. علم زوجي حالاً أنّ ثمّة مشكلة كبيرة. سألني إن كان الأمر يتعلّق بخطب ما أصاب أمّي أو أسرتي. وراح يلحّ عليّ. في النهاية، أخبرته.

بدت الساعات طويلة ولم يغمض لي جفن خلال الليل. بكيت كثيراً في حين حاول زوجي أن يهدئ من روعي. وراح يخبرني عن معارف له في العمل أو من بين أصدقائه، قاوموا السرطان وهزموا ذلك "المرض الخبيث". كذلك راح يبحث عن أمثلة. فتحدّث عن فنّانين مغاربة غلبوا السرطان وشفوا منه تماماً. تحدّث عن الممثلة منال الصديقي التي أصيبت بـسرطان الثدي، ونجت منه.

رحت أهدأ شيئاً فشيئاً، مع مرور الوقت والأيام، لا سيّما بعد البدء بجلسات العلاج. لكنّ معركة من نوع آخر انطلقت. انتشر الخبر بين صديقاتي وجاراتي، وهنّ عوضاً عن منحي جرعات من الأمل، كنّ ينظرنَ إليّ والشفقة في عيونهنّ. ومن بين جاراتي، راحت إحداهنّ تلحّ علي للتفكير في مصير أولادي بعد وفاتي.

مرّة في الأسبوع، كنت أخضع لجلسة علاج كيميائي في مستشفى تخصّصي في مدينة الرباط. وكنت إلى جانب آثار العلاج، أتحمّل تعب السفر والتنقل من فاس إلى الرباط، وكذلك الغياب عن الأطفال. أثّر الأمر سلباً على استقرار أسرتي الصغيرة، خصوصاً أنّني لم أعد أشعر بالحيوية ولا بالرغبة في الحياة. لكنّني كنت محظوظة، إذ وجدت إلى جانبي زوجاً متفهماً، ووالدة ألهمتني الصبر والمقاومة.

كانت نظرات المجتمع المليئة إمّا بالشفقة والعطف في أحسن الأحوال، وإمّا بالشماتة أو الخوف، ترهقني. فقرّرت وزوجي السكن لفترة من الزمن في "منزل جنات" في أحد أحياء الرباط. هو منزل وضعته امرأة مغربيّة في تصرّف مريضات السرطان، مجاناً. كانت تؤويهنّ، لا سيّما اللواتي يقمن في مناطق بعيدة عن الرباط.

بالفعل، رحت أشعر ببعض من الراحة النفسية عندما التقيت بنساء أخريات من مختلف الأعمار، مصابات بالسرطان بأنواعه. تابعت علاجي وتحسّنت حالتي الصحية وكذلك تلك النفسية. نجحنا في الحدّ من انتشار المرض، لكنّني خسرت القدرة على الإنجاب من جديد.

المساهمون