انعكس اشتغاله البحثي في قضايا التراث والحداثة، وتنظيره حول المفردة الزخرفية وإيقاعاتها الرياضية في الفن الإسلامي، على رسوماته التي تحاكي الطبيعة من خلال منظومة تعتمد طابعاً هندسياً في تكوين الأشكال وتوالدها وتحوّلاتها في أنساق لولبية ومتواليات متشابكة وتناظرات في علاقات الخطوط والألوان.
"بين الجزئي والكلّاني" عنوان معرضه الجديد الذي نظّمه غاليري "المرسى" في تونس العاصمة في الثامن والعشرين من الشهر الماضي، ويتواصل حتى السادس والعشرين من الشهر المقبل، ويضمّ خمسة عشر عملاً تعاين مفهوم "الغشتلت" الذي انتقل من علم النفس إلى علم الجمال ضمن مقاربته الأساسية: الشيء ليس مجموع أجزائه.
ضمن هذه الرؤية، تتناول اللوحات مبدأ التناظر وانعكاس الخلفيات وتدرجات الشكل، حيث يجزئ مقطعاً معيناً لإظهار الاختلاف في الحجم والخطوط وحدودها، بحثاً عن وحدة مبنية على روابط بين الأجزاء المنفصلة بحيث يُنتج ترتيبها أو تكوينها الجديد يحيث تحقق مثال التفرد وتميز الشيء عن أصله الذي يأتي منه.
تمثّل الأعمال المعروضة امتداداً لتجارب سابقة لدى الفنان درس من خلالها العلاقات الرياضية وأبعادها التي تميّز النسق الزخرفي في الفن العربي وتراكيبه في نسيج العمارة العربية الإسلامية المتوسطية منها تحديداً، لتحيل إلى مرجعيات فلسفية صوفية تتصل تتجلى في ثنئايات الظاهر والباطن، والإفصاح والكتمان، والشكل والجوهر.
تحضر التنويعات في التعامل مع كلّ وحدة زخرفية في أشكالها الأساسية كالمربع والمثلث والمعين، تتوزّع في مساحات الفضاء البصري ككل، وفي صيغة تحقّق مفاهيم التنوع والتناغم، ضمن رؤية بصرية تقوم على توزيع منتظم ومماثل للون وتدرجاته.
عبر هذا التأصيل الجمالي والشكلي الذي لم يتخلّ عن تحديث وجوده تندرج تجربة التريكي، التي يصفها الباحث فاتح بن عامر باعتبارها "نموذجاً عن البحث التشكيلي المتواصل تواصل الحياة والمسترسل كمتواليات عددية أو متواليات هندسية منوالا أتاه العرب القدامى وتنفسته فئة قليلة من الوارثين".