سلمان ناطور

19 فبراير 2016

سلمان ناطور تأثر بسخرية إميل حبيبي

+ الخط -
قرأت "أبو العبد في قلعة زئيف"، أول كتاب لسلمان ناطور في بيروت عام 1980، وكان عن مقالات ساخرة تقترب من السرد القصصي، فرأيت، في ذلك الوقت المبكر، أنفاس إميل حبيبي في رائعته "المتشائل". ولم نكن قد سمعنا من قبل بسلمان ناطور، فقد اعتمدت معرفتنا بأدب الداخل الفلسطيني على كتاب غسان كنفاني "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة". ولا أذكر أن غسان قد أشار إلى سلمان ناطور في كتابه. بقراءة هذا الكتاب، ِتكونت لديّ فكرة ناقشتها بعد سنوات قليلة مع الراحل إميل حبيبي في لندن، في لقاء لي معه. لاحظت أن النتاج الأدبي والفني في فلسطين الـ 48 يحمل سمة السخرية من الذات ومن الآخر، وهي سمة غير موجودة في النتاج الثقافي في بقية المناطق الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبالتأكيد ليس في نتاج الشتات الثقافي. فلو نظرنا إلى كتابات إميل حبيبي وسميح القاسم وسلمان ناطور، على سبيل المثال، لوجدنا أن هناك نفساً ساخراً وتهكمياً، حتى في الشعر لدى سميح القاسم. فما هو السبب؟
سألت إميل حبيبي، فأجاب أن الشعوب التي يكون قدرها أن يحكمها حاكم ظالم وقويّ، وهي تفتقر إلى مقومات المواجهة، لضعفها، عادة تلجأ إلى السخرية من نفسها، ومن العدو أو الحاكم الظالم. ربما هذا ما ميز الأدب لدى شعوب أخرى، مثل الشعب التشيكي، ولو نظرنا إلى كتابات ميلان كونديرا الأولى، لرأينا هذه الحقيقة، منذ أول كتاب له "النكتة"، مروراً بكل الكتب التي كتبها وهو في ظل الهيمنة الشيوعية السوفييتية على بلاده، حتى أن كونديرا ذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، في كتابه "فن الرواية"، فقد فسّر كتابات الكاتب التشيكي، فرانتز كافكا، بأنها ساخرة وتهكمية، على عكس ما هو شائع من أفكار بأنها كتاباتٌ تتحدث عن الكآبة والسوداوية في الروح الإنسانية.
كان سلمان ناطور من الكتاب الفلسطينيين الساخرين الذين تأثروا بسخرية المعلم الأكبر، إميل حبيبي، الذي وضع الحجر الأول في بنيان السخرية الفلسطينية في النتاج الأدبي والفني، والتي طغت حتى وصلت إلى المسرح والسينما. وما سخرية إيليا سليمان من النماذج المقدسة لدى عامة الناس، والرموز المقدسة في رؤيتهم لذاتهم الجمعية ودلائلها، سوى امتداد للروح الساخرة التي ابتكرها إميل حبيبي في "المتشائل" و"سداسية الأيام الستة" وغيرها.
التقيت بكل الفرح، سلمان ناطور، في رام الله، في أمسيةٍ قرأت فيها قصصي، واقترح عليّ رشيد مشهراوي، الذي كان يدير مركز"المطل" الثقافي، أن يطلب من سلمان ناطور أن يقدمني، وكنت فرحاً.
كانت أمسية رائقة بحضور مثقفين وفنانين فلسطينيين من رام الله والداخل الفلسطيني، وكان من بينهم الشاعر الراحل حسين البرغوثي وكاميليا جبران وخالد حوراني. كان اللقاء الذي اختتم بعشاء كريم، بضيافة المحامية الحيفاوية، نائلة عطية وسلمان وزوجته التشكيلية والمبدعة بالفخار. لم يتوقف سلمان عن أسئلته لي عن لبنان، وعن أحوال شعبنا في المخيمات، وعن تجربة المقاومة قبل الاجتياح الكبير الذي أوصلنا إلى "أوسلو".
لم أتابع كثيراً ما كتبه سلمان، في السنوات الأخيرة، وإن كنت تابعت عبر الفيديو تجربته المسرحية، وأدهشني حضوره الصامت في فيلم "يد إلهية" للمخرج إيليا سليمان، الذي لا حضور حقيقياً وطاغياً للممثلين في أفلامه. كان وجود سلمان ناطور في ذلك المشهد المتكرّر جالساً على مصطبةٍ، ينظر بملل إلى الطريق وجوداً لافتاً، يذكّرك بتلك الثيمة التي عمل عليها في كتاباته بعمق التأمل والخوف حول الذاكرة الفلسطينية، التي طالما أعلن خشيته عليها من أن تأكلها الضباع.
كل شيء في حياتنا تغير مع دبيب اليأس في دروبنا، وخوفنا من تشقق روايتنا وذاكرتنا، حتى السخرية لم تعد هي نفسها مع التوحش الذي يلفنا من كل صوب.
دلالات
8FEA7E0E-EB59-44E6-A118-ECD857E16E1C
نصري حجاج

كاتب ومخرج سينمائي فلسطيني، ولد في 1951، كتب في صحف في بريطانيا ولبنان والإمارات وفلسطين، أخرج عدة أفلام وثائقية، حاز بعضها على جوائز في مهرجانات دولية. نشرت له مجموعة قصص قصيرة في رام الله، وترجم بعضها إلى الانكليزية.