كاميرا "العربي الجديد" رصدت أوجاع وهموم قاطني مقابر السيدة عائشة، بحي مصر القديمة، وكشفت أحلامهم التي لا تتعدى أربعة جدران خارج المقابر، على حد تعبيرهم.
الخمسيني، زكريا عليوة، يقول إنه ورث السكن في المقابر عن جدّه ووالده، وتزوج بها وأنجب، مشيرا إلى أن الظروف المادية الصعبة هي التي أجبرتهم على الاستمرار في العيش بين الأموات.
ويوضح عليوة أنه موظف بهيئة الأوقاف المصرية، وراتبه 1160 جنيهاً شهرياً، لكنه لا يكفي متطلبات المعيشة لأكثر من عشرة أيام، خاصة أن لديه 6 أبناء.
ويشير إلى أنّ اثنين من أبنائه يعملان، لكنهما منذ أربعة أشهر لم يساهما بجنيه واحد في المعيشة لأن أجرتهما بالكاد تكفيهما، الأمر الذي أجبر أحدهما على السفر لمنطقة حلايب وشلاتين للبحث عن عمل هناك.
ويقول المتحدث إنه مع ارتفاع الأسعار، أصبحت الوجبة الواحدة المتكاملة من لحم وخضر وأرز تتجاوز 250 جنيها، أما اللحم فلا نتذوقه إلا مرة واحدة في الأسبوع أو كل أسبوعين.
لا يخشى زكريا وأهله من ليل المقابر، ويؤكد: تعودنا على الموت والموتى، ولدنا وكبرنا بينهم، أشعر بالانتماء إلى هذا المكان، لكن المؤسف هو أن سقف الغرفتين اللتين تؤوياننا تشقق، وملأته الشروخ وباتت مياه المطر تتسرب إلى الداخل، الأمر الذي ينذر بسقوطه فوق رؤوسنا في أي لحظة".
ويضيف أنه يتم وضع بعض الأواني في أماكن تساقط المياه بالغرفتين حتى لا تتبلل الأغطية، ولا يخفي الخمسيني أن الظروف المعيشية أجبرت مئات من الأسر على القبول بالأمر الواقع والتعايش مع حياة المقابر.
ويوضح زكريا، وهو يتجول بين المقابر أن العديد من المباني هنا بسيطة في التصميم، فهي مقتصرة على الطوب من دون دهانات، وداخلها غرف متراصة مجهزة بأقل مواد البناء، تعيش فيها أسر وعائلات لا دخل ولا مأوى لها.
ويتابع قائلا: "يمنح صاحب الحوش (المقبرة)، تلك الغرف للأهالي دون مقابل مادي لحماية المكان من السرقة، وبدون عقود لأنها غير مخصصة للسكن، لكن هناك من يرفض العيش فيها، ويصف زكريا هؤلاء الموتى بالأفضل حظا. ويقول بمرارة " تعبت من العيش هنا، لكن إلى أين أذهب"؟
ولا يختلف حال زكريا عن محمد بهاء، الذي ولد في مقابر السيدة عائشة، ويقطن في غرفتين في حوش أحد المقابر برفقة عائلته منذ سنوات خلت.
محمد بهاء، عامل يومي، لكن مع الكساد الذي الذي طاول العديد من المهن في مصر، فإنه تحول إلى عاطل بانتظار الحسنة المقدمة من أصحاب المقابر خلال الزيارات حتى يستطيع الحصول على لقمة العيش هو وأسرته.
يقول لـ "العربي الجديد": "أحيانا أعمل في مهنة "التربي" (عامل دفن) التي أحصل بموجبها على مبلغ عشرين جنيها في الأسبوع عندما تكون هناك وفاة، لكنها لا تكفي وجبة طعام واحدة في اليوم".