رفع السريّة المصرفيّة في تونس: ثورة أم أزمة؟

12 اغسطس 2014
رفع السريّة المصرفيّة إجراء إصلاحي "مغامر" (أرشيف/getty)
+ الخط -

مازال قانون رفع السرية المصرفية الذي تم إقراره الأسبوع الماضي في تونس يثير جدلاً بين الخبراء و رجال الأعمال والحكومة، وإن قلّت حدّة معارضته بعد تغيير صيغته الأولى إلى صيغة أكثر تعقيداً، تربطه بالإذن القضائي الذي يجب أن يصدر بعد دراسة جبائية معمّقة والتثبت من الكشوفات المصرفية و ثبوت عدم امتثال الشركة أو الشخص لطلب الإدارة بتقديم كشوفاته المصرفية تلقائياً وفق ما نص عليه القانون.

واعتبر وزير الاقتصاد و المالية التونسي حكيم بن حمودة أنّ هذا القرار"مهم و ثوري" و يهدف إلى  وضع تونس على طريق بناء نظام مالي وجبائي شفاف، مضيفاً أن تونس ملتزمة دوليا بتطبيق مبادئ الشفافية المالية.

إجراء سابق لأوانه

وكذلك، اعتبر أستاذ الاقتصاد بالجامعة التونسية و المدير العام لمركز الدراسات و البحوث الاقتصادية و الاجتماعية الدكتور رياض  شكوندالي، في لقاء مع "العربي الجديد" ان رفع السرية المصرفية إجراء ممتاز على مستوى الحوكمة  الرشيدة على غرار ما هو موجود في الدول المتقدمة و يقلص من اللجوء إلى الخارج للتداين ودعم خزينة الدولة.

لكن شكوندالي اعتبر في الوقت ذاته، أن هذا الإجراء سابق لأوانه لأنّ انعكاساته الحالية خطيرة على الاقتصاد التونسي في هذه الفترة بالذات لأنه سيضر بالنمو الاقتصادي الذي تعطل من جملة محركاته الثلاثة محركان أساسيان هما الاستثمار و التصدير و لم يبق الا النمو الذي ينتجه الاستهلاك و هو نمو عقيم، وإجراء رفع السرية المصرفية سيزيد في تقليص الاستثمار والتصدير.

حرق مراحل ومغامرة

وقال شكوندالي أنه "حاليا يشهد الادخار الوطني أسوأ حالاته، و رفع السرية المصرفية سيزيد من أزمة الادخار و سيدفع الدولة إلى الاقتراض مجدداً".

وتابع "بالإضافة إلى أن رجال الأعمال الذين لا يستثمرون حاليا نظرا لغياب الوضوح في المستقبل القريب للوضع التونسي ونظرا لغياب مخططات  اقتصادية طويلة المدى، سيدفعهم بفعل رفع السرية المصرفية الى سحب أموالهم و تجميدها أو استثمارها إما في الخارج أو في السوق الموازية و هو ما سيخلق سوقا مالية موازية".

وأضاف أن الهدف الأسمى من هذا الإجراء هو العدالة الاجتماعية، و"لكن العدالة الاجتماعية تعني التوزيع العادل للثروة، غير أن هذه الثروة غير موجودة حاليا و لذلك إن هذا القانون سابق لأوانه واعتقد اننا حرقنا مراحل قد تؤدي الى مشاكل خطيرة على الاقتصاد الوطني".

و قال الخبير الاقتصادي محسن حسن لـ"العربي الجديد" إنّ الإصلاح الجبائي مطلب ملح في تونس و ضروري للتنمية الاقتصادية لتوفير موارد إضافية للدولة و إقرار العدالة الجبائية، و لكن الإصلاح لابد ان يتم على مراحل و لا يمكن أن نغامر في فترة ركود اقتصادي بإصلاحات عميقة من هذا النوع.

واعتبر أن "رفع السرية المصرفية بصفة كلية لا بد ان يكون آخر مراحل الإصلاح الجبائي في تونس، وأن يتم بالتدرج من أجل إقرار عدالة جبائية هي غير متوفرة حاليا بين المؤسسات و الأشخاص . ولفت إلى أن تأثيرات القانون حالياً ستكون سلبية على صلابة القطاع المصرفي و سيؤدي الى خروج أموال من المصارف و سيزيد من أزمة السيولة التي يعرفها هذا القطاع أصلا ، بالاضافة إلى أنّ جزءا من هذه الأموال سيغادر المجال المنظم للاقتصاد إلى السوق الموازية".

 

مرحلة انتقالية

ولكن وزير المالية قلّل من هذه المخاوف و أكّد أن هناك عديد من الضمانات لحماية المعطيات الشخصية مشيرا إلى أن رفع السرية المصرفية يجب أن يتم في في إطار مراجعة جبائية معمّقة ومن طرف موظّفيْن اثنين مُحلّفيْن و معرّضين للسجن ستة أشهر في حال تم تسريب المعطيات.

واعتبر الخبير محسن حسن أنّ ربط رفع السرية المصرفية بالإذن القضائي مسألة إيجابية كمرحلة انتقالية الى حين إقرار اصلاح المنظومة الجبائية، بالإضافة إلى إيجابيات كثيرة تضمنها قانون المالية الجديد كخطوات إصلاحية حقيقية و عميقة لإصلاح المنظومة الجبائية مثل تحويل مهن عديدة من النظام التقديري إلى النظام الحقيقي و مقاومة التهريب و السوق الموازية.

و ختم على أن الحكومات المقبلة يجب أن تواصل عملية الإصلاح لنتحوّل من نمط تنمية يقوم على الاستهلاك إلى تنمية تقوم على الاستثمار.

المساهمون