إثر العملية، لم يخفِ المسؤولون الرسميون في الدولة ما كانت تستعد له المجموعات الإرهابية، إذ أكد رئيس الحكومة الحبيب الصيد، يوم الاثنين، أن الهجمات التي قامت بها المجموعات الإرهابية في بنقردان كان الهدف منها زعزعة الأمن والاستقرار وإقامة "إمارة" تابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في هذه المنطقة، وهو ما أكده الرئيس الباجي قائد السبسي أيضاً. واعتبر الصيد، أن "تونس تعوّل على نفسها أساساً"، مشدّداً على "نفي إمكانية وجود قوات أجنبية على الأراضي التونسية، لأن القرار التونسي مستقل وسيبقى كذلك".
كما توقع أن ينعكس النجاح الأمني إيجاباً على معنويات القوات التونسية، بعد كسب المعركة، غير أن إشارة الصيد إلى أن "تونس ربحت معركة ولم تكسب الحرب"، تمثل واقعية كبيرة في قراءة المشهد في صورته الكبيرة، لأن تونس ستبدأ في الاستعداد لارتدادات ليبيا، وربما يكون عليها رفع درجات استعدادها لذلك، لأن رسالة الإرهابيين كانت قوية في بنقردان، وتعكس خطورة ما يخططون له في تونس، خصوصاً اذا ارتفعت وتيرة الضربات عليهم في ليبيا.
وعلى الرغم من عدد الضحايا المرتفع (18 بين أمنيين ومدنيين)، إلا أنه يُمكن لتونس اعتبار أنها حققت نجاحاً عسكرياً لافتاً في بنقردان، بفعل تعاطيها بنجاعة كبيرة مع العمليات المفاجئة، ونجاحها في القضاء على 36 إرهابياً والقبض على 7 آخرين، بحسب بيان مشترك لوزارتي الداخلية والدفاع.
اقرأ أيضاً نواب تونس: التصدي للإرهابيين حافز لرفع جاهزية قواتنا الأمنية
أما في سياق الرسائل التي حملتها أحداث بنقردان، فعديدة، وموجّهة للداخل والخارج، ولعلّ أولى هذه الرسائل، ما برز من أهالي المدينة، الذين اتصفوا بشجاعة كبيرة، منذ الأحداث الأولى في الأسبوع الماضي، عندما تمّ القضاء على خمسة إرهابيين. الأهالي حضروا أيضاً يوم الاثنين، وفقاً لتأكيدات الصيد نفسه، الذي أشار إلى أن سكان بنقردان كان لهم دور كبير في دحر هجوم فجر الاثنين.
في هذا السياق، يروي شهود عيان أن عدداً من الأهالي دخلوا في مواجهة مباشرة مع الإرهابيين، الذين كانوا يحاولون اقتحام بعض المنازل، وكانوا يزوّدون الأمنيين بكل الأخبار عن تحرّكات المسلحين، فضلاً عن الماء والطعام، ويرفعون من معنوياتهم، كما انتشرت طوابير المتبرعين بالدم منذ طلب المستشفى المحلي ذلك، من دون خوف أو تردد. تؤكد هذه المعطيات، غياب الحاضنة الشعبية للإرهاب، وهو ما جعل المسلّحين يلجؤون إلى الجبال والكهوف للتخفي، رغم وجود عناصر إسناد لهم في بعض المناطق.
في إطار الرسائل أيضاً، فهي متعلقة بالتعاطي الرسمي مع الأحداث، إذ لم تتأخر مؤسسات الدولة في التصدّي للإرهابيين بجاهزية واضحة، كما سارعت السلطات إلى طمأنة التونسيين، وتنقّل وزيرا الداخلية الهادي المجدوب والدفاع فرحات الحرشاني في مواقع العمليات. كما أُعلن بسرعة عن إغلاق الحدود مع ليبيا وحظر التجول، كما كان التعاطي الإعلامي مع الأحداث سليماً، إذ تم تزويد وسائل الإعلام بسرعة بمجريات العملية، لإيقاف الشائعات وعدم الاعتماد على مصادر غير موثوقة. بالتالي نجح المكلفون بالإعلام في الجيش والأمن والجمارك في السيطرة على المعلومة ونشرها بسرعة، وقطع الطريق أمام الأقاويل التي انتشرت في مواقع التواصل الاجتماعي، خصوصاً الصفحات المشبوهة على موقع "فيسبوك".
سياسياً، جاءت أغلب المواقف الحزبية متناسقة، تحديداً في التعبير عن دعمها للقوى الأمنية في معركتها، ونجحت أحزاب الائتلاف الحاكم في التفاعل السريع مع الأحداث. وعقدت تنسيقية التحالف الحاكم، مساء الاثنين، اجتماعاً خاطفاً، دعت فيه إلى تنظيم مسيرات جهوية وأخرى وطنية للتنديد بالإرهاب، وتشكيل وفود سياسية لزيارة بنقردان. كما كانت الأصوات السياسية تقريباً متجانسة في التعامل الرصين مع المجريات، وتجنّب كسب النقاط الذي شهدته الأحداث السابقة، خصوصاً بعد اعتداءات سوسة.
دولياً، تضامنت أغلب الدول العربية مع تونس، ودانت الولايات المتحدة بشدّة الهجمات، مؤكدة استعدادها لمساعدة الحكومة التونسية بعد هذا الاعتداء الذي وصفته بـ''الجبان". في هذا الصدد، أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية جون كيربي، إلى "ترحيب بلاده بالردّ السريع والشجاع لقوات الأمن التونسية'' على الهجمات المتزامنة. وندّد بـ''التهديدات الخارجية والداخلية التي يشكّلها التطرف على استقرار وازدهار تونس".
وجدد كيربي التأكيد على ''التزام الولايات المتحدة بأمن تونس والشراكة الاستراتيجية بين البلدين"، مجدداً عرض الولايات "مساعدة الحكومة التونسية بعد الاعتداء الجبان". من جهته، أبدى الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند دعم فرنسا لتونس، معتبراً أنه "يتمّ استهداف تونس لأنّه بلد رمز". كما أبدى هولاند في بيان أصدره الإليزيه، عزم فرنسا ''أكثر من أي وقت على مواصلة وتكثيف تعاونها مع تونس في مكافحة الإرهاب''.
ويبدو الموقفان الفرنسي والأميركي مهمين، لجانب الإشارة إلى نجاعة الأمن التونسي، وعدم التغافل عن رمزية تونس المستهدفة من "داعش"، والتأكيد على دعمها بوضوح. وهو ما تنتظره البلاد بالتحديد، في أن تُترجم الكلمات إلى دعم عملي، خصوصاً من فرنسا التي تأخرت كثيراً أمام الولايات المتحدة وألمانيا.
اقرأ أيضاً: جدل تونسي - ليبي على مواقع التواصل:ليبيا تصدر الإرهاب؟