لا يمكن الحديث في تونس اليوم، عن حزب فائز وآخر مهزوم، بعد أن أُسدل الستار على الانتخابات التشريعيّة، بإعلان النتائج الأوليّة التي أظهرت حصول حركة "نداء تونس" على خمسة وثمانين مقعداً في مجلس النواب، تليها "حركة النهضة" بحصولها على تسعة وستين مقعداً.
ويجعل عدم حصول أي من هذين الحزبين على أغلبية مريحة في البرلمان الجديد، من فرحة "النداء" بالتقدّم في عدد الأصوات، مرتبطة بالسيناريوهات التي يطرحها هذا الحزب لقيادة المرحلة المقبلة، المحفوفة بالتحديات الأمنيّة والاقتصاديّة والاجتماعيّة، في ظلّ التطوّرات الاقليميّة والدوليّة من جهة، وعلى علاقة وثيقة من جهة أخرى، بطبيعة هذه التحالفات في ظلّ الواقع المفاجئ لنتائج الانتخابات، بالنسبة لعدد من الحلفاء المفترضين لحزب "نداء تونس". لم يحقّق هؤلاء النتائج المرجوة، بل إنّ عدداً منهم إما سيغيب فعلياً عن المشهد السياسي للمرحلة المقبلة، أو أنّه لن يكون طرفاً ممثلاً بالقدر الكافي في البرلمان الجديد.
في المقابل، تعتبر حركة النهضة ما حقّقته من نتائج في الانتخابات التشريعية أمراً مشرفاً، وبغضّ النظر عن تفسيرها لأسباب تراجع عدد أصوات ناخبيها، فإنّها من أكبر المستفيدين من هذه النتائج لأنها استطاعت المحافظة على موقعها في المشهد السياسي. ومن شأن ترتيبها الثاني، وفق نتائج الانتخابات، والأول في موقع المعارضة، أن يمنحها القدرة على تحقيق التوازن، أياً كانت طبيعة التحالفات التي قد تختارها، سواء كانت طرفاً في الحكومة المقبلة أم لم تكن كذلك. والواضح أنّ حركة النهضة، وعبر بيانها الصادر عقب اعلان النتائج الأوليّة للانتخابات التشريعيّة، متمسّكة بحاجة تونس في المرحلة المقبلة، إلى مزيد من التوافق الوطني الواسع والتوازن في المشهد السياسي بعيداً عن نزعات الهيمنة والإقصاء. وترى في اختيارات الشعب التونسي خلال الانتخابات التشريعيّة، رسالة واضحة تفيد بأنّه يعارض هيمنة حزب واحد، من دون الباقين، والدليل على ذلك تقارب النتائج.
ومن هذا المنطلق، وقبل ساعات من انطلاق الحملة الانتخابيّة الرئاسيّة المقرر إجراؤها في الثالث والعشرين من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، عاد إلى الواجهة مجدداً، الحديث عن مخاوف جديّة من عودة الاستبداد ورفض هيمنة أي طرف على مؤسّسات الدولة، ما من شأنه أن يهدّد مسار الانتقال الديمقراطي في تونس.
وفي هذا السياق، جدّدت حركة النهضة طرح مقترحها المتعلّق بالبحث عن مرشح رئاسي توافقي، خدمة لمصلحة البلاد، على حدّ اعتبارها، فيما يرى عدد من قيادات حركة "نداء تونس" أنّ وجود حزبهم في قصر قرطاج، في حال فوز رئيس الحزب الباجي قايد السبسي في الاستحقاق الرئاسي، وفي قصر الحكومة في القصبة، مع تمثيل مقبول في البرلمان، يُعدّ فرصة تاريخيّة لتنفيذ برنامجهم الانتخابي، عدا عن نسج التحالفات الممكنة، بهدف تعزيز موقفهم في مشهد سياسي متغيّر قد يطرح أكثر من سيناريو في قيادة المرحلة المقبلة. وتتسم الأخيرة بجملة من الصعوبات، يمكن أن تقصم ظهر أيّ قوّة سياسيّة تحاول الانفراد بالسلطة، لأنّها لن تستطيع أن تحظى بإجماع وطني، في حال التوجّه نحو اتخاذ حلول مؤلمة لمواجهة الصعوبات الاقتصاديّة.
وفي موازاة ذلك، يعود مجدداً الحديث وبجديّة عن مصير مسار العدالة الانتقاليّة في تونس، تزامناً مع ترشّح عدد من رموز النظام السابق للانتخابات الرئاسيّة. وفي وقت تثير فيه تصريحات رئيس حركة "نداء تونس" الباجي قايد السبسي، حول عزمه تغيير قانون العدالة الانتقاليّة، باعتباره غير عادل وغير مقبول، ردود فعل رافضة من قبل هيئة "الحقيقة والكرامة" والمنظّمات الناشطة في المجال، لم تتأخّر "حركة النهضة" بتأكيد حرصها الدفاع عن قانون العدالة الانتقاليّة، ودعوة الهيئة المكلّفة، إلى أن تباشر عملها، وأن تكون العدالة انتقالية بالفعل وليست انتقاميّة.
وتبدو ملامح المرحلة المقبلة في تونس، حمّالة أوجه، في ظلّ ما ستفرزه نتائج الانتخابات الرئاسيّة، لكنّ القاسم المشترك بينها، هو اعتراف المجتمع الدولي بأن تونس تخطو بثبات في طريق ديمقراطيتها الناشئة على الرغم من كلّ التحديات والمخاطر.