تحقق قوى المعارضة السياسية في الجزائر تقدّماً نسبياً في المشاورات الأولية التي يقودها رئيس جبهة "العدالة والتنمية"، عبد الله جاب الله، للاتفاق على تقديم مرشّح واحد عن المعارضة، لمواجهة مرشح السلطة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في الانتخابات الرئاسية المقبلة المقررة في 18 إبريل/ نيسان المقبل. لكن هذا المسعى الذي يوصف بالمتأخّر، تحول دونه عوامل عديدة ترتبط بمدى قدرة مرشحي المعارضة على تقديم التنازلات الممكنة والوقت، هذا فضلاً عن التباين اللافت في التوجّهات والمرجعيات السياسية لقوى المعارضة وحسابات كل طرف فيها لمرحلة ما بعد 2019.
وتقود قوى المعارضة السياسية في الجزائر مساعي لإقناع اثنين من ثلاثة مرشحين محتملين للمعارضة بالتنازل عن الترشّح لصالح مرشّح واحد تلتفّ حوله قوى المعارضة والكتلة الناخبة الرافضة لترشّح بوتفليقة. ويتعلّق الأمر تحديداً برئيس الحكومة الأسبق علي بن فليس، واللواء السابق في الجيش علي غديري ورئيس حركة "مجتمع السلم" (إخوان الجزائر) عبد الرزاق مقري.
وفي السياق، قال القيادي والرجل الثاني في جبهة "العدالة والتنمية"، لخضر بن خلاف، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "لقاءات تمّت مع عدد من المرشحين للرئاسة كبن فليس وغديري ومقري، أظهرت وجود قبول لافت لفكرة توحيد مرشح المعارضة". وأوضح أنّ اللقاءات شملت أيضاً عدداً من الشخصيات ورؤساء أحزاب سياسية معارضة، كرئيس حزب "الفجر الجديد" الطاهر بن بعيبش، ورئيس حزب "الاتحاد الديمقراطي" نور الدين بحبوح، ورئيس حزب "الاتحاد من أجل الديمقراطية" (قيد التأسيس) كريم طابو، ورئيس حزب "الوطنيين الأحرار" عبد العزيز غرمول، ورئيس حزب "العدالة"، وزير الاتصال الأسبق، محمد السعيد، ورئيس حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" محسن بلعباس، بالإضافة إلى شخصيات وناشطين مستقلين ستشملهم اللقاءات، كرئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور.
وكشف بن خلاف أنه تمّ بذلك "تجاوز النقاش حول المبدأ في حدّ ذاته، والخطوة التالية ستكون التوجّه إلى عقد لقاءات جماعية بداية من الأسبوع المقبل، يطرح خلالها النقاش حول المرّشح التوافقي الممكن، والبرنامج السياسي الذي سيحمله في الانتخابات".
وتذهب المواقف المعلنة للأحزاب السياسية المعارضة ومرشحيها حتى الآن في اتجاه قبول مبدئي لمناقشة فكرة مرشح المعارضة، وتطرح بعض الآراء إمكانية إقناع رئيس الحكومة الأسبق مولود حمروش للدخول إلى السباق الرئاسي باسم المعارضة، لكن الأخير لا يبدو متحمساً لذلك، إذ يصرّ في مداخلاته السياسية على اعتبار أنّ أي محاولة في هذا الاتجاه لا تحظى بدعم الجيش لن تكون مفيدة.
إلى ذلك، قال أحمد عظيمي، المتحدّث باسم حزب "طلائع الحريات" الذي يتزعمه بن فليس، في حديث مع "العربي الجديد"، إنّ "الحزب منفتح على الفكرة، وليس لديه أي معارضة بشأنها، وجرت لقاءات عديدة بين جاب الله والسيد بن فليس".
بدورها، أبدت حركة "مجتمع السلم" موافقةً مبدئيةً على إمكانية التفاهم مع قوى المعارضة السياسية بشأن التوافق والالتفاف حول مرشّح موحّد باسم المعارضة. وأعلنت قيادة الحركة في بيان يوم الاثنين أنه "في حالة الوصول إلى الاتفاق على مرشح واحد للمعارضة، ستعود قيادة الحركة إلى مجلس الشورى الوطني للفصل في الموضوع قبل نهاية أجل إيداع ملفات الترشّح"، والمحدد في الثالث من مارس/ آذار المقبل، كاشفةً عن لقاء جمع يوم الأحد الماضي رئيس الحركة ومرشحها لانتخابات الرئاسة عبد الرزاق مقري مع جاب الله الذي يقود مبادرة "توحيد مرشح المعارضة".
اقــرأ أيضاً
كذلك، أعلنت حركة "البناء الوطني" استعدادها "للتواصل والتشاور مع كل القوى الفاعلة في البلاد بدون استثناء، من أجل تغليب المصلحة العليا للوطن، والاستجابة لطموحات وتطلعات المواطنين في التقدّم الديمقراطي والتطور التنموي"، مؤكدةً استعدادها "للتنازل ضمن أي مسعى يحقق الإجماع بين الجزائريين وينهي حالة الاصطفاف والاستقطاب والتوتر القائمة، والتي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان الذي لا يخدم أحداً".
كذلك، أعلنت حركة "البناء الوطني" استعدادها "للتواصل والتشاور مع كل القوى الفاعلة في البلاد بدون استثناء، من أجل تغليب المصلحة العليا للوطن، والاستجابة لطموحات وتطلعات المواطنين في التقدّم الديمقراطي والتطور التنموي"، مؤكدةً استعدادها "للتنازل ضمن أي مسعى يحقق الإجماع بين الجزائريين وينهي حالة الاصطفاف والاستقطاب والتوتر القائمة، والتي لا تؤدي إلا إلى مزيد من الاحتقان الذي لا يخدم أحداً".
لكنّ مجمل هذه المواقف المشجّعة لمبادرة توحيد مرشح المعارضة، لا تلغي في الواقع السياسي مواقف أكثر واقعية بشأن صعوبة تحقيق هذا الهدف السياسي، وذلك لأسباب عدة، أولها ضعف الرهان على فوز مرشّح المعارضة في الانتخابات، في ظلّ مواجهة الآلة الإدارية والمالية والسياسية لمرشّح السلطة عبد العزيز بوتفليقة. ثمّ إنّ هناك تبايناً في الأهداف من المشاركة في الانتخابات الرئاسية بين الأطراف السياسية المعارضة. تضاف إلى ذلك خلافات مركزية بين المرجعيات السياسية لكل مرشّح من مرشحي المعارضة، سواء في علاقتها بالسلطة وأطرافها أو بمواقفها من قضايا خلافية في الجزائر تتصل بالمجتمع، أو بحسابات كل طرف لمرحلة ومسارات ما بعد 2019، وما بعد مرحلة بوتفليقة، خصوصاً أنّ أحزاباً سياسيةً في حجم حركة إخوان الجزائر و"طلائع الحريات" لن تغامر بوضع بيضها في سلة مرشّح كاللواء علي غديري، ليس له ما يخسره من السباق الانتخابي، ولا يعرف مدى إمكانية استمراره في المشهد السياسي بعد الانتخابات.
ولا تخفي تصريحات قيادات القوى السياسية نفسها المعنية بالمشاورات اقتناعها بضعف إمكانية التوصّل إلى مرشّح توافقي للمعارضة. وهو ما عبّر عنه عظيمي في حديثه لـ"العربي الجديد" عندما قال "لا أعتقد أنّ هذا المسعى سيكلّل بالنجاح، والمشكلة أنه يرتبط أساساً بمسألة متعلقة بقانون الانتخابات وتنظيم العملية الانتخابية في حدّ ذاتها". كذلك وضع رئيس حركة "البناء الوطني" والمرشح الرئاسي عبد القادر بن قرينة في تصريح لـ"العربي الجديد" مسألة توحيد مرشح المعارضة ضمن "الأمنيات السياسية".
كذلك، توقّع المحلّل والناشط السياسي، رياض الحاوي، عدم نجاح مسعى التوافق بين قوى المعارضة والمرشحين للاعتبارات السالفة. وأشار في تصريح لـ"العربي الجديد" إلى أنّ "هذا المسعى تأخّر كثيراً، ولا أعتقد أنّ الوقت ما زال يسمح بإتمامه"، مضيفاً "مع تسليمنا بأنّ السلطة حسمت أمر الانتخابات لصالح بوتفليقة، بالنظر إلى هيمنتها على العملية الانتخابية تنظيماً وإشرافاً، فإنّ الرهان الرئيسي الذي يجب أن تتوجّه إليه قوى المعارضة هو بناء جبهة موسعة لما بعد الانتخابات، وبناء ديناميكية سياسية تؤهّل المعارضة لموقف وموقع أكثر تأثيراً بعد 2019".
وإضافة إلى مساعي توحيد مرشّح المعارضة، تتّجه خيارات القوى السياسية المعارِضة بدرجة أقل إلى إمكانية التفاهم أيضاً على موقف واحد لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، على غرار ما حدث في انتخابات عام 1999، عندما قرّر ستة مترشحين هم عبد الله جاب الله ورئيس جبهة "القوى الاشتراكية" حسين آيت أحمد، ورئيسا الحكومة الأسبقان مولود حمروش ومقداد سيفي، ووزير الخارجية الأسبق أحمد طالب الابراهيمي، والقيادي في ثورة التحرير يوسف الخطيب، الانسحاب من السباق الرئاسي وترك المرشح حينها عبد العزيز بوتفليقة وحده في المضمار، احتجاجاً على تزوير الانتخابات من قبل السلطة واستغلال وسائل الدولة لصالح مرشحها.