المصالحة في ليبيا: استحقاق برسم الصراع بين المجلسين الرئاسي والنواب

09 يناير 2025
مجلس النواب الليبي خلال جلسة إقرار المصالحة، 7 يناير 2025 (لقطة شاشة)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- دعا المجلس الرئاسي الليبي مجلس النواب لتجنب القرارات الأحادية، مؤكدًا على أهمية الالتزام بالاتفاق السياسي لتنظيم عمل المؤسسات وتنسيق اختصاصاتها، مع التركيز على ملف المصالحة الوطنية.
- شهدت المصالحة الوطنية توترات بين المجلس الرئاسي ومجلس النواب، حيث أعلن الأخير انتهاء ولاية المجلس الرئاسي، بينما قدم خليفة حفتر مبادرة جديدة للمصالحة، وبرز نجله الصديق كقائد للجهود.
- يرى محللون أن المصالحة تُستغل لتحقيق مكاسب سياسية، مشيرين إلى ضرورة الحوار المباشر بين المكونات الاجتماعية، مع تعقيدات المشهد السياسي الليبي وتداخل المصالح الإقليمية والدولية.

طالب المجلس الرئاسي الليبي، مجلس النواب بتجنب "القرارات الأحادية التي تقوض الشراكة الوطنية" في ليبيا والابتعاد عن "التسيس" لاستحقاق المصالحة الوطنية، وذلك بعد إعلان مجلس النواب، أول من أمس الثلاثاء، إقرار قانون المصالحة الوطنية، في الوقت الذي يتجه فيه اللواء المتقاعد خليفة حفتر إلى تبني خطاب المصالحة.

وقال المجلس الرئاسي، في بيان له، إنه كان يتطلع إلى تعامل مجلس النواب مع ملف المصالحة بــ "روح المسؤولية الوطنية بعيدا عن التسيس، إلا أن ما شهدته جلسة مجلس النواب الأخيرة خالف هذه التطلعات وزاد تعقيد المسار". وانتقد المجلس الرئاسي إقرار مجلس النواب لقانون المصالحة، خلال جلسة عقدها أول من أمس الثلاثاء، بمعزل عن اختصاص المجلس الرئاسي، وطالبه بــ"تجنب القرارات الأحادية التي تقوض الشراكة الوطنية وتؤثر سلبا على أمن واستقرار البلاد"، مؤكدا في الوقت ذاته على مواصلته لعمله على ملف المصالحة لـ"حماية هذا المشروع الوطني وضمان مساره الصحيح".

ودعا المجلس الرئاسي مجلس النواب إلى "الالتزام بالاتفاق السياسي كأساس شرعي لتنظيم عمل المؤسسات السياسية وتنسيق اختصاصاتها لتجنب النزاعات وفرض الأمر الواقع" لتحقيق مصالحة شاملة تنهي معاناة الليبيين، مؤكدا أنه عمل على إنجاز استحقاق المصالحة وفق مشروع "بإشادة دولية قبل إحالته إلى مجلس النواب منذ أكثر من عام، بعد إعداده وفق معايير مهنية ومرجعيات وطنية لضمان حقوق جميع الأطراف وتعزيز فرص المصالحة".

ويتمسك المجلس الرئاسي باختصاصه في إدارة ملف المصالحة الوطنية والإشراف على تنفيذه وفقا لصلاحياته التي منحها له الاتفاق المنبثق عن ملتقى الحوار السياسي عام 2021، إلا أن مجلس النواب أعلن انتهاء آجال هذا الاتفاق وبالتالي انتهاء ولاية المجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية، وقرر نقل صلاحيات المجلس الرئاسي إليه، ومنها المصالحة الوطنية وتنفيذها.

وفي إبريل/نيسان 2021، شكل المجلس الرئاسي مفوضية عليا للمصالحة الوطنية، قبل أن يدخل أعمالا مشتركة مع الاتحاد الأفريقي الذي يتبنى مبادرة للمصالحة الوطنية في ليبيا أساسا للحل السياسي وشكل لذلك لجنة برئاسة رئيس الكونغو برازافيل دينيس ساسو نغيسو، إلا أن الخلافات التي اندلعت بينه وبين مجلس النواب منذ أغسطس/آب الماضي طاولت ملف المصالحة وبات ساحة للمناكفات بين المجلسين.

وفي الأثناء، دخل حفتر على خط ملف المصالحة الوطنية، حيث أعلن المكتب الإعلامي لقيادته أنه قدم إلى ساسو نغيسو أثناء زيارته إلى ليبيا في العاشر من ديسمبر/كانون الأول الماضي "مبادرة جديدة تهدف إلى ضمان نجاح المصالحة الوطنية الشاملة" دون أن يفصح عن تفاصيلها.

وإثر زيارة ساسو نغيسو، برز الصديق، نجل حفتر الأكبر، قائدا لجهود المصالحة، إذ شارك في رئاسة ورشة عقدها مجلس النواب منتصف نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في بنغازي، حول المصالحة الوطنية، بالتزامن مع زيارات ولقاءات عقدها مع قادة القبائل والمجالس الاجتماعية على نطاق واسع في شرق وجنوب البلاد، معلنا في جميعها تبني والده لخطاب المصالحة.

وأمس الأربعاء، قالت وسائل إعلام مقربة من قيادة حفتر، إن نجله الصديق أجرى جولات في مدن البيضاء وشحات والساحل الشرقي للقاء عدد من قيادات القبائل تمهيدا للإعداد لـ"ملتقى المصالحة الوطنية على مستوى ليبيا"، واللافت أنه حمل صفة "رئيس المفوضية العليا للمصالحة الوطنية" دون أن ينص قانون المصالحة الذي أقره مجلس النواب على تشكيل مفوضية ويسميه رئيسا لها، كما لم يعلن المجلس الرئاسي عن تعيين نجل حفتر رئيسا للمفوضية التي انشأها منذ إبريل/نيسان 2021.

وينتقد أبو بكر النعيري، عضو مجلس حكماء وأعيان ليبيا، عمل كل الأطراف الليبية على "استغلال" استحقاق المصالحة الوطنية لتحقيق مكاسب سياسية، مؤكدا أن تحقيق المصالحة "ليس من صميم عمل الأطراف السياسية بل يأتي دورها في مراحل لاحقة بعد حوارات مباشرة بين مختلف المكونات الاجتماعية وبمعزل عن القادة السياسيين لتجنب تأثير مصالحهم"، معتبرا أن إعطاء الاتفاقيات السياسية صلاحيات تنفيذ المصالحة للأجسام التشريعية والتنفيذية "كان يمثل الباب الذي فتح الطريق لاستغلال هذا الملف، فلو لاحظنا أن مجلس النواب والمجلس الرئاسي لم يختلفا على مواد مشروع القانون بل على من يشرف عليه ويقوده لتحقيق مكاسب سياسية".

وفيما يرى النعيري أن المجلس الرئاسي "لم يعمل بجدية طيلة السنوات الماضية لتحقيق المصالحة حتى أنه فشل في عقد مؤتمر المصالحة الجامع في سرت العام الماضي"، يعتبر أن دخول حفتر على خط المصالحة "سيزيد من أمل تحقيق أي مصالحة". وعن توجه حفتر لإدارة ملف المصالحة، يرى النعيري أن سببه "ربما لأن مبدأ المصالحة الأساسي هو جبر الضرر، وحفتر لا يرغب في فتح أي ملفات سابقة تورط فيها، مثل ملفات السجون السرية والانتهاكات الكبيرة".

ويتفق عبد الباسط المعيوف، الأكاديمي وأستاذ علم الاجتماع السياسي، على أن هدف حفتر من دفع أحد أولاده لقيادة المصالحة لصلتها بضرورات المصالحة، معبرا عن اعتقاده بأنه يسعى لتسوية ملفات "غاية في الخطورة لو مضى مسار المصالحة في طريقه الصحيح، فالمجازر التي حدثت أثناء حربه في بنغازي كانت إلى وقت قريب منظورة أمام محاكم أميركية باعتباره يحمل الجنسية الأميركية، ومجازر المقابر الجماعية في ترهونة جرح عميق لا يزال ينزف ممثلا عقبة لا يمكن تجاوزها قانونا، وربما من خلال تسويات اجتماعية غير معلنة في ترهونة".

لكن المعيوف يلفت في حديثه لـ"العربي الجديد" إلى جانب آخر يتعلق بمبادرة حفتر للمصالحة التي قدمها إلى رئيس الكونغو، موضحا أن رئيس حكومة مجلس النواب أسامة حماد، الخاضع لسيطرة حفتر، أعلن أثناء استقباله "وبحضور حفتر وعقيلة صالح (رئيس مجلس النواب) عن رفض أي مساع تبذلها البعثة الأممية لإطلاق مبادرة سياسية جديدة واعتبرها تدخلا في الشأن الليبي، وأشاد في الوقت ذاته بالدور الأفريقي في مسار المصالحة الوطنية منطلقا للحل السياسي".

ويتابع المعيوف قراءته بالقول "اتجاه حفتر الجديد هذا من المرجح جدا أن يكون مرتبطا بمصالحه مع موسكو التي لم يعد خافيا وجودها الكبير إلى جانب الكثير من الأنظمة العسكرية في عدة دول أفريقية، وهناك الكثير من المؤشرات التي تعكس مساعي روسية لدعم مبادرة الاتحاد الأفريقي الخاصة بالمصالحة في ليبيا، ويجب ألا ننسى أن لروسيا اتصالات مع رجالات نظام القذافي السابقين ومؤيديه في ليبيا الذين رفضوا المشاركة في مؤتمر سرت الجامع الذي كان من المقرر عقده العام الماضي بإشراف المجلس الرئاسي".

وفيما يذكّر المعيوف بزيارة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى الكونغو، منتصف العام الماضي، التي أعلن فيها دعم بلاده لمشروع المصالحة الأفريقية في ليبيا كطريق أمثل للحل السياسي، يعتبر أن تبني حفتر لخطاب المصالحة يحقق له العديد من الأهداف "وبشرعية قانون مجلس النواب، فهو خطاب يتساوق مع مشاريع الإنماء والإعمار التي يقودها أولاده أيضا في بنغازي ودرنة وفي مناطق الجنوب، وأعتقد أن الأشهر المقبلة ستوضح أنه اتجاه يسير في ركاب مشروع سياسي تدعمه موسكو من خلال الاتحاد الأفريقي كمشروع مواز لمشروع الأمم المتحدة ضمن خطة مبادرتها السياسية المنتظرة".