ذهب محلب وبقي النظام

23 سبتمبر 2015
المصريون يعانون من السياسات الاقتصادية(فرانس برس)
+ الخط -
أقيلت الحكومة المصرية أخيراً بعد سلسلة من فضائح الفساد، وجاء قرار الإقالة كمحاولة بائسة لامتصاص غضب قطاعات واسعة من سياساتها. تحاول السلطة إيهام الناس بأن من يقوم بالتخطيط وتنفيذ تلك السياسات هي الحكومة وليس تحالفا اجتماعيا تقوده قوى الثورة المضادة، هذه الطبقة التي تمثلها السلطة شرّعت قوانين اقتصادية عديدة، صبت بشكل مباشر في مصلحتها. بداية من قانون الاستثمار والتصالح مع الفساد بقانون الكسب غير المشروع، وصولاً إلى قانون الضريبة المضافة الذى يتم الإعداد له الأن.


خداع المواطنين
ليست المشكلة في محلب ووزرائه فحسب؛ فهم ليسوا أكثر من سكرتارية تحت أمر الرئيس. لذا لن تتراجع الضربات الموجعة للشعب نتاج سياسات التقشف، ولن تتراجع الضغوط الاقتصادية والأعباء التي يتحملها المواطنون تحت شعارات الإصلاح الاقتصادي والإداري وجذب الاستثمار الأجنبي.

لقد شهد هذا العام، أضخم دعاية لسياسات الحكومة وقراراتها الاقتصادية. دعاية المؤتمر الاقتصادي في شرم الشيخ المبالغ فيها، والذي بشر بجذب الاستثمارات الأجنبية والعربية لمصر. تبخرت نتائجه لتتقلص إلى مجموعة من المنح والقروض التي سترد. ولم تختلف دعاية قناة السويس كثيراً عن المؤتمر الاقتصادي. وقد اتضح من الحالتين أن الدعاية أسلوب حياة لسياسات النظام الاقتصادي الذي لا يعرف الخروج من أزمته، فمن وَهم المليون وحدة سكنية، إلى العاصمة الجديدة، والمليون فدان، والألف مصنع، يتبدى كذب النظام وبؤس دعايته.

اقرأ أيضاً:التقشف للشعب والامتيازات لرجال الأعمال

لقد بات واضحاً للشعب المصري أن حصاد السياسات الاقتصادية التي طبقتها حكومة محلب، يتمثل في ارتفاع نسب التضخم ورفع الدعم أو تقليصه عن الخدمات والسلع. وقد أوضحت مؤشرات الميزان التجاري تراجع الصادرات المصرية خلال عامين، حتى وصلت نسبة التراجع إلى ما يقرب من 20% خلال العام الحالي. ارتفع الخلل في الميزان التجاري بتراجع الصادرات، رغم الدعم الحكومي السخي للمصدرين بنحو 5 مليارات جنيه.

السياسات الاقتصادية المستقبلية للحكومة الجديدة، لن تكون منقطعة الصلة عن حكومة محلب. فالخطة الاقتصادية لها امتداد لما سبقها من خطط، وسوف تستلم هذه الحكومة ذات الملفات لتستكملها، وليس أدل على ذلك من مشروع قانون القيمة المضافة الذي قاربت وزارة المالية في حكومة محلب على الانتهاء منه وسوف تطبقه الحكومة الجديدة، إذاً قانون جديد لسياسة قديمة. حيث يتم سكّه في إطار ما تسميه الدولة منظومة الإصلاح الضريبي، تعلن الدولة أنها تهدف إلى محاصرة التهرب الضريبي، لكنها وإن صح هذا الأمر، فإن الأساس الاقتصادي وفلسفة هذا القانون تنطلق من رغبة الدولة في جمع مزيد من الإيرادات الضريبية الجبائية من شرائح واسعة من المواطنين، بمنطق اتساع القاعدة الضريبية، هذا المنطق الذي يعنى اتساع دافعي فاتورة عجز الموازنة على شرائح أوسع من المواطنين الأقل دخلاً.

اقرأ أيضاً:حملة مقاطعة اللحم... حل أم تمييع للأزمة؟

مالياً، يستهدف إقرار ضريبة القيمة المضافة جمع 30 مليار جنيه. هذا ما تسعى إليه الدولة، بينما تحاول تبرير القانون والدفاع عنه، بدعوى أن آثاره سوف تتوقف عن حدود ارتفاع نسب التضخم إلى أقل من 2.5%، بل تدّعي أنه لن يؤثر على أسعار السلع الغذائية، لأن الدولة تدعمها. لكن الحقيقة غير ذلك، حيث سيرتفع مستوى الأسعار مجدداً إلى نسب تتجاوز ما تتوقعه الحكومة. وعلى عكس ما تدعي الدولة، فإن الزيادة سوف تتركز في أسعار السلع الغذائية، لأنها أكثر السلع استهلاكاً وتشكل ما يزيد عن 40% من إنفاق معظم الأسر المصرية، الأمر الذى يعني ارتفاع مستوى المعاناة، خصوصاً في أوساط الأسر الأشد فقراً. وإذا أضفنا عجز السوق المحلي عن توفير السلع الغذائية واعتماده على الاستيراد، فإن الأمر يزداد سوءا، خاصة مع ارتفاع سعر صرف الدولار.

ليس قانون الضريبة الجديد المسمى بالقيمة المضافة هو الإجراء الاقتصادي التقشفي الوحيد، حيث ينتظر أن تطبق الحكومة قرارات اقتصادية أخرى أشد قسوة، فبعد تكرار الحديث عن خسائر قطاع النقل، خاصة هيئة مترو الأنفاق، ينتظر أن تقوم الدولة برفع سعر تذكرة المترو إلى الضعف على الأقل، وهو الأمر الذي سيشكل عبئا إضافيا على أكثر من 5 ملايين مصري يعتمدون على استخدام مترو الأنفاق.

(باحث في الأنثروبولوجيا الاجتماعية، جامعة القاهرة)

اقرأ أيضاً:خيط البؤس يجمع الشعوب العربيّة
المساهمون