تحتل محافظة ذمار، التي تبعد نحو 130 كيلومتراً جنوب صنعاء، أهمية استراتيجية بالنسبة للعاصمة. وكانت إلى وقت قريب من المحافظات الآمنة لنفوذ الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح وجماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، غير أنها أصبحت في الفترة الأخيرة ساحة هجمات شبه يومية، تشنّها "المقاومة الشعبية" في المدينة ضدّ مليشياتهم.
ومنذ إعلانها عن تدشين عملياتها قبل أسابيع، تبنت ما يسمى "المقاومة الشعبية في إقليم آزال" عشرات الهجمات المباغتة، استهدفت تجمعات ودوريات ومقرات قيادات في مناطق مختلفة بمحافظة ذمار، التي تمثل إلى جانب صنعاء وعمران وصعدة ما يُسمى بـ"إقليم آزال"، بحسب التقسيم الفيدرالي الذي أقرّه مؤتمر الحوار الوطني أوائل عام 2014، ولم يتم الاستفتاء عليه حتى اليوم.
اقرأ أيضاً: فشل هدنة اليمن يحرج الأمم المتحدة
وكان العامل المشترك في غالبية عمليات "المقاومة" في ذمار وصنعاء (الضواحي)، خصوصاً، أنها تتم بهجمات مباغتة وتستهدف بصورة أساسية نقاط التفتيش والدوريات وبعض التجمعات، غير أن وثيقة منسوبة إلى اللجنة الثورية العليا للحوثيين، كشفت عن أن الهجمات في ذمار، تسببت بخسائر بشرية ونفسية كبيرة للحوثيين. وأشارت الوثيقة إلى أن الهجمات ولّدت ذعراً لدى مسلحي الجماعة، وأسفرت عن فرار المئات منهم إلى مناطقهم.
بوابة صنعاء الجنوبية
تعدّ ذمار ذات أهمية استثنائية بالنسبة للحوثيين، وخصوصاً صالح، إذ إنها تمثل البوابة الجنوبية لصنعاء، وهي مركز الثقل العسكري والأمني لأفراد الجيش والأمن الموالين في غالبيتهم لصالح؛ وإلى منطقة آنس الفقيرة، ينتسب عدد كبير من جنود الأمن المركزي (قوات الأمن الخاصة)، وكذلك جنود وضباط الحرس الجمهوري، ويعود تركز الكتلة العسكرية في ذمار لطبيعة اهتمامات أهلها العسكرية، مقارنة بمحافظات أخرى يميل سكانها للزراعة أو الاغتراب، وعادة ما ترتفع نسبة اليتامى في المناطق التي يتحدر منها الجنود، بسبب الحروب.
كما ينتمي إلى ذمار رئيس مجلس النواب، القيادي في حزب "المؤتمر الشعبي العام"، يحيى الراعي، وعدد كبير من القيادات العسكرية والأمنية. كما يتحدر منها العديد من الشخصيات المعارضة، وفي المقدّمة النائب في البرلمان عبدالعزيز جباري، الذي انشق عن حزب صالح في عام 2011، وترأس اللجنة التحضيرية لمؤتمر الرياض، وشارك ضمن وفد الحكومة إلى مؤتمر "جنيف". ويتحدر من ذمار، أيضاً، رئيس الأركان الحالي، اللواء محمد علي المقدشي، الموالي للرئيس عبدربه منصور هادي. ومن أبرز الشخصيات اليمنية المنتمية إلى المحافظة أيضاً، شاعر اليمن الكبير الراحل، عبدالله البردوني.
كانت ذمار تاريخياً تُصنف ضمن "المحافظات الزيدية" لأن غالبية أبنائها يتبعون المذهب الزيدي، وغالبية المحافظات التي تحدّها تاريخياً تتبع المذهب السنّي، وهي إب جنوباً، والبيضاء شرقاً، والحديدة وريمة غرباً، وتتميز بأرضها الزراعية المستوية. ويُصدر منها إلى المحافظات الأخرى أنواع مختلفة من الفواكه والخضراوات ونبتة "القات". ويتردد أن نقل العاصمة من صنعاء إلى ذمار (بسبب سعة الأخيرة)، كان مقترحاً مطروحاً على طاولة الرئيس الأسبق، إبراهيم الحمدي، إذ تتميز بقيعان ومناطق جبلية وسهول، تجعلها مؤهلة كمدينة في المستقبل أكثر من صنعاء.
يزيد عدد سكان المحافظة، عن مليون و600 ألف مواطن، ومساحتها 9495 كيلومتراً. يتحدث أهلها اللهجة الأقرب إلى صنعاء، وتُوصف بأنها "النكتة السياسية"، إذ يميل أهلها إلى صناعة "الطرفة" مع كل حدث سياسي، بحيث يتم تحويله إلى موضوع سخرية. وعلى سبيل المثال، بعد بدء "عاصفة الحزم" تم التداول أن الأهالي خرجوا إلى التظاهر تحت عنوان: "لا تقصفوا ذمار، لسنا شيعة ولا سنة نحن يهود".
عمليات "المقاومة"
يتمتع صالح (والحوثيون بدرجة ثانية)، بنفوذ كبير داخل المحافظة، وتتركز غالبية عمليات "المقاومة" في ثلاث مناطق، أهمها معبر، وهي المدينة التي تقع بين صنعاء وذمار، وكان فيها أحد أبرز المعاهد الذي يدرس فيه السلفيون. ويدير المعهد، الشيخ السلفي محمد الإمام. كما وقعت العديد من الهجمات في منطقة ذمار، مركز المحافظة. أما المنطقة الثالثة فهي جبل الشرق في منطقة آنس.
وفي مقابل العمليات التي تُنفذ وتمثل تحدياً كبيراً لصالح والحوثيين، فإن سجون المحافظة تعج بالمعتقلين من المعارضين، وخصوصاً من عناصر حزب "التجمع اليمني للإصلاح"، والذي اعتقل الحوثيون المئات من ناشطيه وقادته في مختلف المحافظات، وفي مقدمها صنعاء وذمار بعد تأييد الحزب لـ"عاصفة الحزم"، وقد وقعت حادثة قصف لافتة، راح ضحيتها صحافيان ومعتقلون سياسيون آخرون، حين قصف التحالف موقعاً في جبل هران حوله الحوثيون سجناً لمعارضيهم.
اقرأ أيضاً: الحرب تهدّد أكبر مشروع للطاقة في اليمن