ذكرى ميلاد: دحمان الحرّاشي... الأغنية الشعبية في موجتها الثانية

07 يوليو 2020
(دحمان الحرّاشي في عملٍ فنّي لمصطفى بوطاجين)
+ الخط -

تستعيد هذه الزاوية شخصية ثقافية عربية أو عالمية بمناسبة ذكرى ميلادها في محاولة لإضاءة جوانب أخرى من شخصيتها أو من عوالمها الإبداعية. يصادف اليوم، السابع من تمّوز/ يوليو، ذكرى ميلاد الموسيقي الجزائري دحمان الحرّاشي (1926 - 1980).


لم يعِش الفنّان الجزائري عبد الرحمن عمراني، المعروفِ باسم دحمان الحراّشي، طويلاً ليرى أُغنيتَه التي خاطب بها صديقاً له كان يرغبُ في الهجرة إلى أوروبا وقد أصبحت واحدةً من أشهر الأغاني الجزائرية في العالَم، وباتت تُردَّد في معرض الحديث عن الهجرة السرّية (الحرقة بالتعبير الجزائري)؛ الظاهرةِ التي لم تكُن موجودةً في وقته.

انتشرت أغنيةُ "يا الرايح" بعد سنواتٍ من رحيل الحرّاشي الذي عاش حياته في الهامش ولم يكُن معروفاً إلّا على نطاقٍ محلّي ضيّق. لكن كثيرين راحوا يبحثون عن صاحبها الأصلي بعد أن اكتشفوها بصوتِ مواطنه الجزائريُّ رشيد طه (1958 - 2018) الذي ضمّنها في ألبومه "ديوان" الصادر نهاية التسعينيّات، دون أنْ يُغيّر فيها الكثير؛ إلّا على مستوى التوزيع الموسيقي وصوته الذي كان يُعبّر عن صرخات أبناء الجيلَين الثاني والثالث من المهاجرين الجزائريّين في فرنسا.

وُلد الحرّاشي في مثل هذا اليوم في الأبيار بالجزائر العاصمة لعائلة تنحدر من خنشلة في الشرق الجزائري، ونشأ في حيّ الحرّاش الشعبي - الذي باتَ يُنسَب إليه - بعيداً عن حيّ القصبة العتيق؛ معقلِ شيوخ الأغنية الشعبية ورُوّادِها، من أمثال الحاج امحمّد العنقى والحاج مْنَوَّر والحاج مريزق، والذين عاصر نُجوميّتهم منذ أن ابتكر العنقى ذلك النوع الموسيقي الذي أنزل به الأُغنية الحضرية، سليلةَ الأُغنية الأندلسية، من قصور الحكّام والأغنياء إلى مقاهي البُسطاء.

لم يسِر الفتى الحرّاشي على خُطى أولئك، في طريقة غنائهم واختيار قصائدهم وكلمات أغانيهم وحتّى في أسلوب لباسِهم، بل دخل على الخطِّ بطريقته الخاصّة وببحّته التي تُميّز صوته، وبكلمات أغانيه التي راح يستلهمها من حكمة الهامش وهموم المحرومين.

ولئن صعد نجمُ امحمّد العنقى (1907 - 1978) بالأغنية الشعبية بدءاً من سنة 1930، وجعل منها نوعاً غنائياً كبيراً ومعترَفاً به، بعد أن خرج من جلباب معلّمه مصطفى الناظور (1874 – 1926)؛ رائدِ الأُغنية الحضرية، فإنَّ الحرّاشي - وربما دون أن يدري - قامَ بـ "ثورة ثانية" داخل الأغنية الشعبية؛ فأخرجها من المقهى الشعبي وأدخلها إلى الأماكن الأكثر هامشيةً، وهو الذي عاشَ بين الهامش الجزائري و"هوامش" المهاجرين الجزائريّين في فرنسا، وغنّى لهم بموسيقى مبتكَرة وبكلماتٍ بسيطة ومباشرةٍ في كثيرٍ من الأحيان، مع نزوعٍ إلى تناوُل المواضيع الاجتماعية.

أدّى دحمان الحرّاشي المئات من الأغاني التي كتب ولحّن جزءاً كبيراً منها. وكان من حُسن حظِّ محبّيه أنْ ظهر في فيلم تمثيلي غنائيٍّ أنجزه التلفزيون الجزائري قُبَيل رحيله في حادث مرور بإحدى ضواحي الجزائر العاصمة عام 1980، بعنوان "صحا يا دحمان... اللي راح وولّى" (تحية إلى دحمان الذي ذهب وعاد"، وقد شارك فيه عددٌ مِن الفنّانين أبرزُهم صديقُه محمّد الباجي (1933 - 2003).
 

المساهمون