دهرٌ حلوٌ يا فيروز

21 نوفمبر 2016
(تصوير: رمزي حيدر)
+ الخط -

في عيد ميلادها الكذا..والكذا، لا تهمّ السنوات هنا حين يتعلّق الأمر بنجم سابح في مجرّة درب التبانة، يُطالعنا كل ليلة حين تهدأ أنفسنا في لحظة ما، ونحن نرفع رؤوسنا إلى الأعلى لنتأكّد أننا على كوكب الأرض، ونفتح صفحة السماء على مصراعيها على عدد كبير من النجوم، قليل منها فقط من يمنحنا الرغبة في البوح إليه.

هي فيروز فقط من تمنحنا هذا الشعور، في حضورها وغيابها، أو فلنقل في "حضرة غيابها" إذا خلّصنا هذه العبارة من احتكار الشاعر محمود درويش، وربّما تصبح ملايين السنين الواقعة وراء فاصلة عمرها رقمًا تافهًا في ذاكرة الزمن الهارب بلحظات حياتنا الجميلة.

الكل يتذكّرها اليوم، لا لشيء يشبه حضورها، يتفقّدها الجميع كما لو أنهم استيقظوا صباحًا ولم يجدوا الشمس في مكانها، أو كما لو أنهم استيقظوا على فكرة ّأن العالم لم يعد يشرب القهوة، وأن عطش "الكافيين" سيصيب سكان الأرض بصداع نصفي.

كثيرة هي الأحاديث عن القهوة والجرائد وفيروز، أجل تحضر فيروز في الصباحات لتعدّل مزاج الحكايات، وتعبّق الأمكنة والفضاءات، هكذا تحضر بمجانية غير مبتذلة، في أحاديث الفقراء والمحاربين والثوّار.

بعيدًا عن رائحة التبغ والجرائد اليومية التي تجعل من الأحاديث مجرد يوميات باردة، هنا، تحضر فيروز بين الجلساء في المقاهي واللقاءات، وتصدح من مسجلات السيّارات، تعبر الطريق مع المارّة، وترافقهم في أسفارهم، وتتحدث إليهم في خلواتهم، حتى كأنك تطرح على نفسك هذا السؤال: هل هناك عربي لا يستمع إلى فيروز؟

تطرح على نفسك سؤالًا آخر: متى كانت آخر مرّة غنّت فيها فيروز، ما هي آخر أغنية لها؟ آخر ألبوم مثلًا، لا فكرة لديك عن ذلك سوى أنها ما زالت واقفة أمامك تنتظر معرفة السبب الذي استدعيتها من أجله، فهي ليست من هواة الظهور واللقاءات التلفزيونية البراقة، ليست من هواة الفساتين الرشيقة التي تظهر في مجلّات الموضة النسائية وليست بائعة أغاني بـوحدة "الكيلوغرام"، ومع ذلك يستنشق العربي الأوكسجين مع البروتون التاسع لفيروز.

فكرة غياب فيروز، ولّد فكرة استحضارها بشغف من رفوف الأغاني العربية، فهي الماضي/ الحاضر في الوقت نفسه، ويكفي أن تدخل أي محّل لبيع الأشرطة المسموعة في العاصمة الجزائرية، حتى تقع عينك على شريط لفيروز في أحد الرفوف، عليه غلاف يحمل صورة نمطية لها بالأبيض والأسود، رغم غيابها عن الساحة الفنية منذ سنوات.

حينها لن تجرأ على طرح سؤال: ماذا تفعل فيروز هنا؟ هناك العشرات من المغنين الذين يختفون من رفوف الأغاني كل سنة، وربّما يشتهرون بأغنية في موسم ما ويختفون بعدها إلى الأبد. بعض الفنانين الذين ظهروا في التسعينيات لم نعد نذكر أسماءهم حتى، وهناك من استهلكتهم القنوات والجرائد والحفلات ومع ذلك لم يحقّقوا الانتشار الذي سعوا من أجله، حيث أن الظاهرة الإعلامية التي تلفهم سبقت ظاهرتهم الإبداعية، في حين أن فيروز حالة إبداعية سبقت ظاهرتها الإعلامية. تختفي السيّدة لعشرات السنوات، ويتذكّرها الملايين اليوم بالتهاني على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" في عيد ميلادها الكذا.. والكذا..

المساهمون