دعاء المترجم

06 سبتمبر 2015
صفاء وليد/ العراق
+ الخط -

لا أعتقد أن هذا هو الوقت المناسب لترجمة الأعمال المهمة أو تأليفها أو قراءتها. ولا أتكلم عن اللحظة التي نعيشها منذ بداية الربيع العربي، فلعل هذه الفوضى الشرسة هي بداية النهاية لعصور التخلف العربي الطويلة. 

في العقود الأخيرة، انتبه تجّار الكتب إلى الترجمة، فانتهى أمرها تقريباً بانتباههم إليها. في كل معرض كِتاب، وفي كل مرة أدخل فيها المكتبة، أخرج محمّلاً بعناوين طال انتظاري لترجمتها، وكلَّ مرة يتبيّن أن الأغلبية الساحقة من هذه الترجمات مسوخ مشوّهة لم يبق لها من أصولها ما يمكن الخروج به.

ليس لدينا من المترجمين الجيدين إلا القليل، وأجور الترجمة لا تغري مترجماً بالتفرّغ بضعة أشهر لكتاب. وعملية النشر كلها تُدار بطريقة لا يمكن أن تضمن للقارئ أن يحصل على خدمة جيدة.

وليتناول أي منّا، في أي بلد عربي، أي كتاب صدر في السنوات الثلاثين الأخيرة على الأقل، وليحصِ أخطاءه الفادحة فقط، وليسأل نفسه: هل من الممكن لعاقل أن يشتري حذاءً فيه هذا العدد من عيوب الصناعة؟ ولكن إمّا أن القراء العرب لا يبالون، أو أنهم لا يعرفون، ومن ثمّ فهم بلا قدرة على التقييم، وفي الحالتين يكفيهم ما بين أيديهم.

ليس هذا هو الوقت المناسب لإعداد قوائم بما ينبغي للثقافة العربية ترجمته واحتضانه، بل هو وقت التكتّم على العناوين المهمة، هو وقت الصلاة والدعاء عسى أن يُعمي الله أعين الناشرين التجار والمترجمين الأفّاقين عن الكتب المهمة، فالناشر الذي يشتري حقوق الكتاب من ناشره الأصلي يحتكر ترجمته مهما تكن رديئة لسنين، ويندر أن يتحمّس ناشر بعد هذه السنين لإصدار ترجمة جديدة لعمل "بيع" وانتهى أمره.

لكن من يدري؟ ربما تتغير هذه المنطقة في السنين القادمة، فتشعر فعلا أنها بحاجة إلى القراءة، فترغم منتجي الكتب، سواء المؤلفة أو المترجمة، على إنتاج كتب قابلة للقراءة، أو ربما ينتبه الناشرون في الغرب إلى أن سوقاً حقيقياً للقراءة قد ظهر في المنطقة العربية فيعنون بالترجمة بأنفسهم، ويصدِّرونها لنا مثلما يصدِّرون الأحذية، وساعتها سنعرف مستوى "نايك" في الترجمة الذي نسينا منذ عقود أننا نستحقه، وأننا كنا ذات يوم قادرين عليه.

المساهمون