دراما ونساء

10 ديسمبر 2018

(بول غيراغوسيان)

+ الخط -
لطالما أخفقت الدراما العربية في التعاطي الموضوعي مع صورة المرأة، في السينما والمسرح والمسلسلات التلفزيونية. وإذا سلّمنا أننا ما زلنا ننتمي إلى مجتمعات ذكورية معادية للأنوثة، باعتبارها مصدر الشرور وأصل البلاء، وهي لدى فئاتٍ واسعةٍ ممن يزعمون علما وتقدمية، مجلبة محتملة للخزي والعار إذا منحت مساحة غير مدروسة من الحرية. وبالتالي لا بد من ضبط سلوكها ومظهرها، وحصره في إطار معين لتستحق الاحترام والقبول، وتنال حق الانخراط في عملية الإنتاج والإبداع والتحقق تحت رقابة ذكورية صارمة، لديها استعداد فطري لإدانتها وتحميلها إثم أي خروج عن المنظومة المشوّهة السطحية من القيم والأخلاق التي باتت تحكم مسار حياتنا. ولا بد أن ينعكس هذا الواقع المؤسف على الدراما، كونها شكلا من أشكال التوثيق لطريقة تفكير المجتمعات وأسلوب حياتها، سيما أن من يقوم على العملية الإنتاجية تمويلا واختيارا في هذا القطاع هم، في الغالب، رجال أفرزتهم هذه المنظومة. وفي أحسن الحالات، توجد في هذا الحقل نساء ينتمين إلى النمط الذكوري نفسه، ما أفقر المشهد الدرامي العربي في العموم، وجرّده من حضور نماذج نسائية سوية متوازنة.
تشويه كبير تتعرّض له المرأة في هذا المجال الشائك والحساس الذي نعول عليه كثيراً في تطوير الوعي والذائقة الجمعية العربية. طرح غير منطقي، ولا واقعي، ولا حتى جمالي لصورة المرأة في الأعمال الدرامية، وهي في الغالب إما شخصية باهتة مهزوزة، مستلبة، مظلومة، جريحة، مهانة، لا تملك من أمرها شيئا سوى تلقي الإساءة، صابرة صاغرة مهيضة الجناح، ما يشكل نموذجا يستحق الرثاء والتعاطف، لكنه يساهم في تكريس هذا النمط النسائي في لاوعينا، واعتباره واقعاً نتواطأ جميعنا، من دون أن ندري، في التطبيع معه، واعتباره واقعا مقبولا. وتكاد لا تخلو بعض الأعمال التلفزيونية الشهيرة من مشاهد الضرب المبرّح، وشد الشعر، واللكمات والصفعات والعنف اللفظي التي تتلقاه الممثلة باقتدار كبير، وتنال التصفيق لبراعتها في تجسيد حالة الاستلاب المطلقة.
ولعل الراحلتين، أمينة رزق وكريمة مختار، من أبرز الفنانات اللواتي أسّسن صورة المرأة كما يفترضها المجتمع العربي الذي لم يطرأ عليه تغيير كبير في هذا السياق. وفي المقابل، ثمّة نموذجٌ نقيضٌ تماما يطرح المرأة قوية الشخصية، باعتبارها الشر المطلق، قاسية فاجرة متحكّمة متبلدة المشاعر، ترتكب جرائمها بدم بارد، وتعتمد في حياتها أسلوب الغواية والمكر والخداع والإيقاع بالرجل المسكين في حبائلها، وتدفعه إلى الخطيئة وارتكاب المعاصي، تنفيذا لمآربها الدنيئة. نموذج قبيح منفر، على الرغم من مظاهر الإثارة والجمال والدلال المصاحبة لها، ما يجتذب مزيدا من المشاهدين من المكبوتين جنسيا. ويمكن اعتبار نادية الجندي، وقبلها زوزو نبيل، ومن بعدهما غادة عبدالرازق، أبرز من أدّين مثل هذه الأدوار التي تلقى رواجا كبيرا، وتعمل على ربط نموذج المرأة قوية الشخصية بالفسق والفجور، وبالتالي يرفضها المجتمع حكما. وتكاد الأعمال الفنية العربية تخلو من صورة المرأة العادية، تلك التي تصادفها في الشارع، تحاول الوصول إلى عملها في الموعد المحدد، بوجه متعبٍ خالٍ من المساحيق، بنقاط ضعفها وقوتها، بصفاتها الإنسانية الأرضية العادية التي تحتمل متناقضات الخير والشر والقسوة والطيبة واللؤم والحنان الفرح والكآبة. يزيد غياب هذه الشخصيات الحقيقية عن المشهد التباسا، ويعمّق الفجوة بين الحقيقة والخيال، وتدفع المرأة وحدها ثمن محدودية وفقر خيال القائمين على الفعل الإبداعي الذي ما زلنا نراهن عليه، على الرغم من كل شيء.
AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.