"مُفترق طرق"... انحياز مشروع إلى الأنوثة

22 يوليو 2024

البوستر الرسمي لمسلسل "مفترق طرق"

+ الخط -

إذا ما تمكنّا من التغاضي عن أخطاء قانونية جسيمة وقع فيها مسلسل "مفترق طرق" منذ حلقاته الأولى، مثل وجود الشهود في قاعة المحكمة واستماعهم إلى إفادات شهود قبلهم في القضية نفسها قبل استدعائهم، يمكن القول إنّ العمل جدير بالمشاهدة لتوفّر عنصر التشويق في العمل الذي يُعرَض حالياً في منصّة شاهد، وهو من إخراج أحمد موسى وبطولة هند صبري وإياد نصّار وجومانا مراد وماجد المصري، ونجوم آخرين يحلّون ضيوف شَرَف في كلّ حلقة.
القصّة مأخوذة عن مسلسل أميركي بعنوان "الزوجة الطيبة" عُرِضَ عام 2009 في سبعة مواسم متتالية، مُحقّقاً أعلى نسب مشاهدة طوال مدّة عرضه، وهو بمثابة دراما قانونية سياسية اجتماعية نفسية بالغة الذكاء، رشيقة الطرح، مُتقنَة الحبكة، عبّرت بواقعية عن خفايا المجتمع الأميركي، وقد صُنِّف أحد أفضل مائة مسلسل أُنتِج في الأربع وعشرين عاماً الماضية. وإذا ما تمكّن المشاهد العربي من نسيان جماليات المسلسل الأصيل، فسوف تتحقّق له المُتعة المُبتغاة في متابعة النسخة العربية التي اختير لها عنوان مختلف، وكان حرياً بالقائمين على تعريب النسخة اعتماد الاسم الأصلي، طالما كان العمل برمّته يقوم على شخصية الزوجة الطيبة، المحامية المُتفوّقة، التي تنازلت عن طموحها المهني عند زاوجها بمسؤول رفيع المستوى، واكتفت بدور الأمّ وربّة البيت في سبيل تحقيق طموح زوجها السياسي، لتكتشف بعد مرور 14 سنة الخديعة الكُبرى إثر تورّط زوجها في فضيحة جنسية ومالية، أدّت إلى زجّه في السجن، ومصادرة ممتلكاته، وتجد نفسها مُضطرة للعودة إلى ممارسة المهنة لإعالة ولدَيها، فتلتحق بمكتب محاماة تعود ملكيته لزميل دراسة قديم، ولتبدأ الحكاية من هنا؛ من لحظة اليقظة وانتباه المرأة إلى ذاتها المُغيّبة المُهمّشة.
أبدعت هند صبري في تجسيد شخصية سيّدة واضحة شجاعة تحكمها منظومةٌ أخلاقيةٌ صارمةٌ رافضةً مظاهر الرياء والنفاق والخيانة، التي يُجسّدها الزوج السياسي الانتهازي الذي افتضح أمره، وهي الأمّ المُضحّية المُسخِّرة جهدها للعناية بطفلَيها، المساندة لهما بعد فضيحة والدهما، وقد دفعا ثمنها خزْياً وغضباً، وتعرّضاً للسخرية والتنمّر من أقرانهما في المدرسة، مُتّكئينِ على قوّة شخصية والدتهما وإصرارها على تجاوز الأزمة بأقلّ الخسائر المُمكنة. تعيد الزوجة (أميرة) اكتشاف ذاتها وقدراتها المهنية، وتميّزها، وتُحقّق النجاح تلو الآخر في جوّ مهني لا يخلو من التنافس والصراعات والمكائد الصغيرة، ورغم جرح أنوثتها الكبير وغضبها العارم، لا تتخلّى عن الزوج في محنته حفاظاً على استقرار أُسرتها وسلامة طفلَيها النفسية، ما يجعل المشاهد مُنحازاً بالمطلق إلى هذه الشخصية الإيجابية، التي تقترب من المثالية إلى حدّ كبير. ومع تماسك الخط الدرامي للحكاية المحورية تتفرّع عنها في كلّ حلقة القصص والقضايا المُتنوّعة، التي تَعرِض نماذجَ إنسانيةً مُختلفةً، وتنتهي، في معظم الحالات، بانتصار الخير، ونصرة المظلوم، وتحقّق العدالة.
لم يتخلّص "مفترق طرق" من ظلال العمل الأميركي الأصيل، ولم يتمكّن من التعبير تماماً عن ملامح البيئة المصرية، غير أنّه نجح في عنصر التشويق والإثارة. وبرع فريق العمل، من مُمثّلين متمكّنين، مثل الأردني إياد نصّار، والسورية جومانا مراد، والمصري ماجد المصري، إضافة إلى التونسية هند صبري، في تقديم منجزٍ درامي يستحقّ الالتفات من ناحية الإمكانات الإنتاجية الضخمة، والتصوير السينمائي المدهش، والإخراج الذكي، رغم بعض هنَات كان في الوسع تجاوزها مع مزيد من التدقيق في بعض الحقائق القانونية والواقعية لنصل إلى نسخةٍ عربيةٍ مُمَصرَنَةٍ أكثر إقناعاً واقتراباً من وجدان المشاهد العربي.

AD06A645-8A0A-4B42-9292-5FC44B5D51C6
بسمة النسور

كاتبة أردنية، تحمل الليسانس في الحقوق، صدر لها ست مجموعات قصصية، وكتبت نصين مسرحيين. تكتب في الصحافة العربية منذ 1990، وتشغل موقع رئيسة تحرير مجلة "تايكي" المتخصصة بالإبداع النسوي.