دافوس: مشاكل الفقراء على طاولة الأثرياء

27 يناير 2020
الرئيس الأميركي دونالد ترامب خلال مشاركته في منتدى دافوس(Getty)
+ الخط -


انتهت فعاليات منتدى دافوس الاقتصادي العالمي في نسخته الخمسين يوم 24 يناير 2020 في سويسرا، والذي يُصنَّف من بين أكثر الاجتماعات السنوية عرضة للانتقادات اللاذعة، لكونه مجرَّد منتدى يجمع الأثرياء والأقوياء وصنَّاع القرار من جميع أنحاء العالم لمناقشة القضايا الملحّة دون التوصُّل لحلول ناجعة، كمثل الجبل الذي تمخّض فولد فأراً في زمن يزداد فيه الأغنياء ثراءً والفقراء فقراً.

وعلى مدى سنوات طويلة لم تُمكِّن السياسات والإجراءات التي تمّ الخروج بها من اجتماعات دافوس السابقة من تحسين حياة أولئك الذين يقبعون تحت خط الفقر المدقع، بل على العكس تماماً فقد شكَّل منتدى دافوس منصة دائمة لالتقاء الأغنياء من أجل إبرام أكبر الصفقات التجارية والاستثمارية، نظراً لإمكانية حضور جميع الرؤساء التنفيذيين والقادة الآخرين في مكان واحد ووقت واحد.

يعتبر منتدى دافوس الاقتصادي العالمي تكريساً للاختلال المزمن في ميزان العلاقة بين القمة والقاعدة، أو بين النخبويين والشعبويين، لأنّه يجمع الأشخاص الذين لا يتفاعلون عادة ولا يلتزمون بمسؤولية المساهمة من أجل التغيير، بمن في ذلك رؤساء الحكومات، الوزراء، المدراء التنفيذيون للشركات، ومؤسسو المنظمات غير الربحية، والجمعيات الخيرية والباحثون والأكاديميون.

ومن أبرز الانتقادات الموجَّهة لهذا المنتدى هو أنّه حصري للغاية، حيث لا يتم دعوة الأشخاص الأكثر تضرُّراً من الفقر والقضايا الأخرى التي يأمل المجتمع الدولي في حلِّها، فعلى سبيل المثال، كانت قضية تغيُّر المناخ محطّ اهتمام دافوس هذا العام، وتُظهر العديد من الدراسات أنّ تغيُّر المناخ يلحق أشدّ الضرر بالفقراء الذين يعيشون في المناطق المعرَّضة للخطر، وبأقلّ الموارد التي تعينهم على التكيُّف مع تلك الأضرار الجسيمة، ومع ذلك تميَّزت قائمة المدعوين لحضور منتدى دافوس لهذا العام بافتقارها الشديد لهذه الفئة المهمَّشة من سكان الأرض.

ولا تزال النساء أكثر عرضة للسقوط في براثن الفقر والعوز من الرجال، بسبب عدم المساواة في الحصول على فرص عمل، لا سيَّما في الدول النامية وبالتحديد في المناطق الريفية، وبالرغم من ذلك شكَّلت نسبة النساء اللاتي حضرن منتدى دافوس لهذه السنة 24 بالمائة فقط من بين 3000 مشارك، وهو رقم قياسي بالنسبة للمشاركة النسوية في منتديات دافوس السابقة.

وفي بعض الأحيان، قد يستغرق الأمر سنوات حتى تصبح الأفكار المهمة التي تنشأ من المحادثات في دافوس حقيقة واقعية، فعلى سبيل المثال، شكَّلت دول البريكس BRICS (البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا) سنة 2015 بنكاً جديداً للتنمية يسمى "بنك التنمية الجديد" New Development Bank للمساعدة في تعبئة الأموال بشكل أفضل من أجل تمويل مشاريع البنية التحتية والتنمية في تلك الدول وغيرها من الاقتصادات الناشئة.

وهنا يجب الإشارة إلى أنّ كلا من نيكولاس ستيرن، أستاذ الاقتصاد في كلية لندن للاقتصاد، وكبير الاقتصاديين السابقين بالبنك الدولي جوزيف ستيجليتز توصَّلا إلى الفكرة في منتدى دافوس في عام 2011.

وفي أغلب الأحيان لا تتحوَّل الأفكار الخارجة من منتدى دافوس إلى أفعال حقيقية، بل تتحوَّل بدلاً من ذلك إلى خيبة أمل كبيرة، حيث تنشر منظمة أوكسفام كل عام، ومنذ سنة 2013، تقريراً قاسياً ولاذعاً حول عدم المساواة يتضمَّن مقارنة بين ثروات أغنى 1 بالمائة من الناس في العالم (يحضر العديد منهم في منتدى دافوس) وما يحوزه باقي سكان الأرض.

وتتضمَّن أهم توصيات تقرير منظمة أوكسفام لحلّ مشكلة عدم المساواة زيادة الضرائب على الأثرياء، وإغلاق الثغرات الضريبية للشركات، حيث يواصل المشاركون في منتدى دافوس انتقادهم لعدم المساواة في العالم، لكنهم لا يُقدمون على خطوة واحدة لتبنِّي تلك الحلول الجذرية، وهكذا يستمرّ التفاوت في الدخل بالنمو في العالم سنة بعد أخرى.

والعذر الأقبح من ذنب هو شعور المشاركين بالقلق حيال عدم المساواة في العالم، في الوقت الذي تكلِّف فيه غرف الفنادق المترفة التي يمكثون فيها بمدينة دافوس ما لا يقل عن 500 دولار لليلة الواحدة، كما يعبِّر الكثيرون عن قلقهم بشأن تغيُّر المناخ، ومع ذلك فهم يصلون إلى منتدى دافوس على متن طائرات خاصة، ولا يخفى على أحد أنّ استخدام الطائرات هو أحد مصادر التلوّث الرئيسية في العالم، كما أنّ الضرر البيئي الذي تحدثه الطائرة الخاصة يفوق بكثير الضرر الناتج عن الطائرة التجارية.

وعند الحديث عن الطائرة الخاصّة لا يسعنا إلا أن نتذكَّر الموقف المحرج الذي تعرَّض له وزير الخارجية اللبناني السابق جبران باسيل أثناء مشاركته في جلسة حوارية من جلسات منتدى دافوس 2020، حيث سألته مديرة الحوار الصحافية هادلي غامبل عن كيفية مجيئه إلى المنتدى، فأجاب بأنّه جاء على حسابه الخاص.

ثمّ أضاف باسيل أنّه أتى على متن طائرة خاصّة وأنّ هذه الرحلة هي مهداة من صديق له، لتتدخَّل على الفور سيغريد كاغ، وزيرة التجارة الخارجية والتعاون الإنمائي الهولندية، لتقول إنّه "لا يسمح لنا بأن يكون لدينا مثل هؤلاء الأصدقاء عندما نكون في الحكومة"، لتعطيه الإجابة الشافية والوافية وتحسِّسه بالذنب اتجاه تقصيره في واجبه الحكومي، وتأييده للفساد الذي يبدأ بقبول الهدايا والعطايا والإكراميات والمكافآت أثناء توليه لمنصب حكومي رفيع المستوى في الحكومة اللبنانية، لا سيَّما وأنّ الفساد يقف وراء اندلاع ثورة الجياع في لبنان، والمستوى الذي آل إليه الفساد ما هو إلا كرة الثلج المتدحرجة التي أطلقها صناع القرار اللبنانيين أمثال جبران باسيل، والذين لا يستحون من حضور هذا المنتدى لمناقشة المستقبل المشرق متناسين الواقع الممزَّق لأوطانهم نتيجة لأفعالهم.

خلاصة القول إنّ منتدى دافوس لا يعدو كونه مجرَّد حدث أرستقراطي يؤجِّج المشاعر المعادية للنخبوية، نظراً لاستضافته قادة العالم وكبار المسؤولين التنفيذيين في أفخم المنتجعات بجبال الألب السويسرية، في ظل الإجراءات الأمنية المشدَّدة دون الخروج بحلول جذرية تفيد البشرية.

يتطلَّب حلّ التحديات العالمية الكبرى كالفقر التعاون والالتزام من أصحاب النفوذ الذين يأتون إلى دافوس، وتبقى شعلة الأمل مُعلَّقة باستخدامهم لنفوذهم بطريقة إيجابية، وإذا استمرّ حال منتدى دافوس على ما هو عليه فلا عزاء للفقراء.

المساهمون