تواجه المعارضة السورية في حي الوعر شمال غربي مدينة حمص، والمحاصر منذ نحو عامين من القوات النظامية السورية، خيارين لا ثالث لهما. يتمثل الخيار الأول في خروجها من المدينة على غرار اتفاق سابق برعاية أممية قبل ستة أشهر، قضى بخروج مسلحي حمص القديمة إلى ريفها الشمالي. ويعني هذا الخيار نعي الثورة في مدينة حمص، والتي كانت أيقونة بالنسبة للمعارضة بشقيها السلمي والمسلح. أما الخيار الثاني فليس سوى البقاء في الحي وتحدي النظام، بما يجرّه ذلك من مجازر وويلات على المدنيين المحاصرين داخل الحي.
قبل ثلاثة أيام فقط، ارتكبت قوات النظام مجزرة جديدة في الحي، عبر قصفه بالأسلحة الثقيلة، ما أدى إلى مقتل سبعة مدنيين بينهم ثلاثة من عائلة واحدة. وسبقتها مجازر عدة منذ توقف المفاوضات بين المعارضة المسلحة وجيش النظام، بعد خرق الأخير الهدنة، ولجوئه إلى التفاوض من موقع القوة، عقب تغير الخريطة العسكرية في حمص لمصلحته.
وقبل أسبوعين، كانت هناك حملات نشطة تناقلها ناشطون على مواقع التواصل، تطلق نداءات استغاثة لإنقاذ الوعر، والذي بات يُعاني من أوضاع إنسانية صعبة، نتيجة ما يتعرض له من قصف بالمدفعية الثقيلة وراجمات الصواريخ وأسطوانات الغاز في ظل تهميش إعلامي وانشغال العالم عنه. وكانت أبرز هذه الحملات "وعرنا يحترق"، التي تهدف إلى إيصال صوت السوريين إلى العالم بأن نظام الأسد يحرق الحي بقصفه اليومي المستمر، بعد مجازر عدة ارتكبها في حق سكان آخر أحياء حمص القديمة.
بدروه، حذر المتحدث الرسمي باسم الائتلاف السوري المعارض، سالم المسلط، من مخاطر استمرار التحالف الدولي بتجاهل نظام بشار الأسد والاكتفاء بضرب مواقع تنظيم "داعش"، الأمر الذي بات يهدد فقدان ثقة الشعب السوري بأهداف التحالف في سورية.
لكن جميع الدعوات السابقة لم تجد آذاناً صاغية في ظل الحشد الإعلامي الذي تستقطبه مدينة عين العرب شمال شرقي محافظة حلب، من تنظيم "الدولة الإسلامية"، فيما يبقى النظام السوري محدداً لأهدافه، التي يأتي في مقدمها إخراج المعارضة المسلحة من حي الوعر لإنهاء الأيقونة الكاملة للمدينة.
وتسيطر قوات النظام من خلال تفاهمات مع قوات المعارضة على مشفى جمعية البر والإطفائية والسرايا الحكومية ومخفر شرطة الوعر. كما تحاصر الحي عبر مواقعها في الكلية الحربية من الجهة الشمالية والشرقية، إضافة إلى بنك الدم وقرية المزرعة من الجهة الغربية. كذلك تنتشر ضمن المزارع المحيطة المحاذية للحي، ولديها حواجز أمنية وعسكرية في الجهة الجنوبية، التي تفصلها عن أحياء المدينة.
وفشلت جميع المفاوضات المبرمة بين الطرفين والتي كان آخرها الشهر الماضي، حين تم التفاوض على هدنة غير مشروطة طويلة الأمد بهدف إيجاد حل سياسي ينصّ على وقف إطلاق نار يخضع له الطرفان.
وترافق ذلك مع استمرار الحصار المفروض، ونقص المواد الغذائية والطبية في الحي الذي يعيش في ظله ثلاثمائة ألف مدني، بينهم آلاف من الوافدين من مختلف القرى والبلدات، وانشغال العالم في مدينة عين العرب.
في المقابل، تنصرف الكتائب الإسلامية التي تسيطر مع فصائل أخرى من "الجيش الحر" على الحي السكني بقسميه القديم والجديد للتفكير مليّاً في الأمر قبل الخضوع للشرط المتمثل بخروجها من المدينة والانسحاب إلى ريف حمص الشمالي.
وتتمثل مخاوف المعارضة، كما شرحها أحد قادة الكتائب المسلحة في الحي، لـ"العربي الجديد" في أن الخروج من الحي يعني الهروب والاستسلام وانتهاء الثورة في مدينة حمص، باعتبار أنّ "هذا الحي هو آخر معقل للثورة في المدينة، وهناك خشية من أن يقوم النظام ومليشياته باستباحة الأعراض والممتلكات واعتقال الكثير من السكان"، في حين أن البقاء في الحي سيعني حسب القيادي "المزيد من القتل والدمار، فالقرار يحتاج إلى حسابات كثيرة أهمها مصلحة المدنيين".
وفي ظل حيرة المعارضة بين الانسحاب والبقاء، وإصرار النظام على السيطرة على الحي ولو كلفه ذلك دماره عن أكمله، يبقى المدنيون الجائعون هناك مثار الخوف الأعظم، إذ أن حتى الانسحاب الأخير لمقاتلي المعارضة من أحياء حمص القديمة، تتضمن خروج عائلاتهم معهم، فهل سيخرج أكثر من ثلاثمائة ألف من حي الوعر، أم أنهم سيختارون البقاء تحت رحمة القوات النظامية السورية؟