29 سبتمبر 2017
خليل عكاوي
.. وخليل عكاوي اغتالته المخابرات السورية في طرابلس في 9 فبراير/شباط 1986. أتذكّر. وكنت خارج لبنان. كلما دهمتني الذاكرة، واستعدت وجوه أصدقائي ومعارفي من أزمان الصراعات الدامية في لبنان، أدرك كم قتل النظام السوري من هؤلاء، وكم فتك بذاكرتنا ولطّخها بالدم والفقد والجراح أبدية الوجع. خليل عكاوي فلسطيني من عكا، ولد في طرابلس عام 1955، وعاش في حيّ باب التبانة الأشد فقراً وبؤساً في المدينة. كان أبوه خبّازاً وأخوه علي متمرداً على السلطة اللبنانية تمرداً بريئاً، في علاقته بالفقراء، وغضبهم على العوز والحرمان، ما أدى إلى اعتقاله وقتله في سجون السلطة.
شبّ خليل عكاوي فلسطيني الهوية، لبنانياً في الروح والحرمان والشعور بالظلم. تعرفت إليه في مخيم البداوي، في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، حيث عاش مختفياً عن الأجهزة الأمنية اللبنانية. كان يتعاون مع حركة فتح، بعد اغتيال شقيقه علي في السجن، فقد فتحت المقاومة الفلسطينية له آفاقاً جديدة، تتجاوز ميول روبن هود التي ميزت شقيقه، والتي انطلقت من رغبة في مساعدة الفقراء في أحياء طرابلس، من غير أفق سياسي واضح. ومن خلال تعرفه إلى بعض مثقفي الطبقة الوسطى من اليسار اللبناني القريبين من فتح، والمتأثرين بالأفكار الماوية ونزعتها الجماهيرية، غرق خليل عكاوي في تلك النزعة من جديد، ولكن، بغلاف أيديولوجي. وربما يكون تأثره بالأفكار الماوية التي تقدس الجماهير وفكرها، من غير نقد، ما قاده ومثقفين يساريين كثيرين في لبنان إلى تبني الخمينية، في نهاية السبعينيات التي تربعت بالقوة والقمع والاغتيالات على رأس الثورة الشعبية الإيرانية.
أمضيت في شمال لبنان، في منتصف الحرب الأهلية اللبنانية، عامين تقريباً، وتكررت لقاءاتي بخليل عكاوي في بيته الفتحاوي في مخيم البداوي. ولاحقاً، بعد انشقاق الجيش اللبناني وضعف السلطة، في بيت والديه في باب التبانة في طرابلس. كان خليل، عندما يريد الذهاب إلى بيروت، يفضّل أن أصحبه في سيارتي، حيث كنا، نتيجة سيطرة المليشيات المسيحية على الطريق الساحلي من الشمال إلى بيروت، نلجأ إلى السفر شمالاً إلى عكار، ثم إلى الهرمل ورياق وظهر البيدر، ثم نأخذ طريق بحمدون بشامون وعرمون، وندخل إلى بيروت، من جنوبها في خلدة، في رحلة تستغرق عدة ساعات، تفادياً لحواجز القوات السورية وحلفائها من المليشيات المسيحية.
كان خليل عكاوي، في تلك المرحلة، لا يزال يسارياً. زرته مرة واحدة في بيته في مرحلته الإسلامية، وكان قد تزوج، وأنجب ابنه عربي. بدا، في تلك الزيارة، محافظاً كأي متدين، لكنه لم يفقد روح الدعابة ودماثته ومحبته الناس والأصدقاء، على الرغم من أن المشروب المصاحب للغداء في تلك الزيارة تحول إلى قنينة من الكوكا كولا. رأيته المرة الأخيرة في صيف 1983، قبل المعركة الشرسة التي خاضها النظام السوري والفصائل الفلسطينية الموالية له آنذاك، مثل جبهة أحمد جبريل وجبهة النضال ومنشقي حركة فتح والصاعقة، ضد المعقل الأخير لياسر عرفات في لبنان، واضطرار الزعيم الفلسطيني للرحيل عن لبنان بلا عودة.
أجريت مقابلة مع خليل، بصفته القائد العسكري لحركة التوحيد الإسلامي، ومع أمير الحركة الشيخ سعيد شعبان. كانت الحركة التي تأسست، بإيحاء من ياسر عرفات، لمواجهة النفوذ السوري في طرابلس، قوة داعمة لحركة فتح في مواجهة هيمنة حافظ الأسد. وكان على خليل عكاوي وأمراء الحركة، ونشطاء لبنانيين كثيرين، مثل عصمت مراد وفؤاد المردي ومصطفى كردية وفؤاد الكردي وسمير الشيخ، أن يدفعوا ثمناً باهظاً لوقوفهم ضد السياسات السورية في لبنان، ودعمهم ياسر عرفات، فاغتالتهم المخابرات السورية بأبشع الوسائل، حيث اغتيل سمير الشيخ مع زوجته وطفليه. كان خليل عكاوي ابناً باراً لبؤس باب التبانة في طرابلس، وحفيداً وفياً لنكبة فلسطين.
شبّ خليل عكاوي فلسطيني الهوية، لبنانياً في الروح والحرمان والشعور بالظلم. تعرفت إليه في مخيم البداوي، في بدايات الحرب الأهلية اللبنانية، حيث عاش مختفياً عن الأجهزة الأمنية اللبنانية. كان يتعاون مع حركة فتح، بعد اغتيال شقيقه علي في السجن، فقد فتحت المقاومة الفلسطينية له آفاقاً جديدة، تتجاوز ميول روبن هود التي ميزت شقيقه، والتي انطلقت من رغبة في مساعدة الفقراء في أحياء طرابلس، من غير أفق سياسي واضح. ومن خلال تعرفه إلى بعض مثقفي الطبقة الوسطى من اليسار اللبناني القريبين من فتح، والمتأثرين بالأفكار الماوية ونزعتها الجماهيرية، غرق خليل عكاوي في تلك النزعة من جديد، ولكن، بغلاف أيديولوجي. وربما يكون تأثره بالأفكار الماوية التي تقدس الجماهير وفكرها، من غير نقد، ما قاده ومثقفين يساريين كثيرين في لبنان إلى تبني الخمينية، في نهاية السبعينيات التي تربعت بالقوة والقمع والاغتيالات على رأس الثورة الشعبية الإيرانية.
أمضيت في شمال لبنان، في منتصف الحرب الأهلية اللبنانية، عامين تقريباً، وتكررت لقاءاتي بخليل عكاوي في بيته الفتحاوي في مخيم البداوي. ولاحقاً، بعد انشقاق الجيش اللبناني وضعف السلطة، في بيت والديه في باب التبانة في طرابلس. كان خليل، عندما يريد الذهاب إلى بيروت، يفضّل أن أصحبه في سيارتي، حيث كنا، نتيجة سيطرة المليشيات المسيحية على الطريق الساحلي من الشمال إلى بيروت، نلجأ إلى السفر شمالاً إلى عكار، ثم إلى الهرمل ورياق وظهر البيدر، ثم نأخذ طريق بحمدون بشامون وعرمون، وندخل إلى بيروت، من جنوبها في خلدة، في رحلة تستغرق عدة ساعات، تفادياً لحواجز القوات السورية وحلفائها من المليشيات المسيحية.
كان خليل عكاوي، في تلك المرحلة، لا يزال يسارياً. زرته مرة واحدة في بيته في مرحلته الإسلامية، وكان قد تزوج، وأنجب ابنه عربي. بدا، في تلك الزيارة، محافظاً كأي متدين، لكنه لم يفقد روح الدعابة ودماثته ومحبته الناس والأصدقاء، على الرغم من أن المشروب المصاحب للغداء في تلك الزيارة تحول إلى قنينة من الكوكا كولا. رأيته المرة الأخيرة في صيف 1983، قبل المعركة الشرسة التي خاضها النظام السوري والفصائل الفلسطينية الموالية له آنذاك، مثل جبهة أحمد جبريل وجبهة النضال ومنشقي حركة فتح والصاعقة، ضد المعقل الأخير لياسر عرفات في لبنان، واضطرار الزعيم الفلسطيني للرحيل عن لبنان بلا عودة.
أجريت مقابلة مع خليل، بصفته القائد العسكري لحركة التوحيد الإسلامي، ومع أمير الحركة الشيخ سعيد شعبان. كانت الحركة التي تأسست، بإيحاء من ياسر عرفات، لمواجهة النفوذ السوري في طرابلس، قوة داعمة لحركة فتح في مواجهة هيمنة حافظ الأسد. وكان على خليل عكاوي وأمراء الحركة، ونشطاء لبنانيين كثيرين، مثل عصمت مراد وفؤاد المردي ومصطفى كردية وفؤاد الكردي وسمير الشيخ، أن يدفعوا ثمناً باهظاً لوقوفهم ضد السياسات السورية في لبنان، ودعمهم ياسر عرفات، فاغتالتهم المخابرات السورية بأبشع الوسائل، حيث اغتيل سمير الشيخ مع زوجته وطفليه. كان خليل عكاوي ابناً باراً لبؤس باب التبانة في طرابلس، وحفيداً وفياً لنكبة فلسطين.