خليك بالبيت... شكراً كورونا
ومع انتشار فيروس كورونا يسري حظر المجتمعات والشعوب في منازلها، سواء بشكل جزئي أو كامل. يأتي فيروس كورونا لكي يجبرنا على العودة إلى بيوتنا، بعد أن هجرناها بإرادتنا منذ زمن بعيد.
يأتي الفيروس لكي يرغمنا على التحاور مع أقرب الناس لنا من أهل وزوجة وأبناء، بعد أن أصبحت المسافة الزمنية فيما بيننا تقاس بسرعة الإنترنت والضوء. يأتي فيروس كورونا لكي يجبرنا على أن نعود ونجلس مع أنفسنا أولاً، بعد أن ضعنا وضاعت مبادئنا وقيمنا ما بين "حانا ومانا".
خليك بالبيت لكي تلعب مع أطفالك وأهلك، وهم لا يرونك إلا في ساعات قليلة تمضيها ما بين جوالك وسريرك. خليك بالبيت وضع جوالك جانباً، لكي تجلس وتشاطر أطراف الحديث أقرب الناس إليك وتقاسمهم الآمال والهموم والآلام. خليك بالبيت لكي تعلم أطفالك بعد أن سلمتهم إلى المدرسة ومواقع النت، وأنت لا تعرف شيئاً لا عن مدارسهم ولا عن زملائهم ولا عن جوالاتهم؟ خليك بالبيت واجتمع مع عائلتك حول فنجان قهوة أو مائدة طعام.
خليك بالبيت وتعلم أن الإنترنت ليس مجرد مواقع تسلية وتضييع وقت، وإنما هناك في الإنترنت جامعات ومدارس ومواقع علم ومواقع أدب لا تحصى ولا تعد. وتذكر أن البيت الذي مللت منه، هو حلم مستحيل لمن هدموا بيته، وأن السقف الذي تراقبه ضجراً هو حلم بعيد المنال لمن يسكن خيمة النزوح منذ عدة سنوات. وتذكر أن هناك من يتضور جوعاً حتى قبل أن يحاصره كورونا في بيته، وأنت كدست أكياس المونة في مطبخك مخافة أن ينقص مستوى التخمة في معدتك. وتذكر أن هناك من يفتقر إلى صنبور ماء لكي يغسل وجهه ويديه متى أراد، بل ربما يفتقر إلى قطرة ماء نظيفة لكي يشربها، وأنت رصفت على الرفوف كل أنواع المعقمات والأقنعة والكفوف لكي تحمي بها نفسك وأهلك.
وتذكر أن الرفاهية التي مللت بها داخل جدران بيتك هي أشبه بالمستحيل لمعتقل يعيش في جحيم أقبية المعتقلات منذ عدة سنوات.
أخيراً أقول، أن هناك رواية أميركية ورغم أنها كتبت قبل اختراع الإنترنت والجوال، إلا أن أحداثها تدور حول فكرة سرقة التكنولوجيا الحديثة للحياة من البيت، بنيت الرواية على فكرة بسيطة جداً، حيث إن الزوجة تذكر زوجها بأكثر الأشياء بساطة في البيت، في محاولة لاستعادته إليه، فتقول له هذه كنبة هذا مطبخ هذا كرسي، وإلى ما هنالك من أشياء عادية داخل المنزل.
فهل سنعود نحن لنكتشف أبسط الأشياء في منازلنا بعد أن نسيناها؟ شكراً كورونا لقد أعدتنا إلى بيوتنا وأعدت الحياة إليها بعد أن كانت مجرد أربعة جدران وسقف.
عزيزي كورونا هل تستطيع أن تعيد لنا وطننا من أيادي عصابة اللصوص والمحتلين أيضاً؟