خلدون المالح.. رحيل إلى دمشق

26 ابريل 2016
(1938 - 2016)
+ الخط -

ربما لا يعلم كثيرون من متابعي أعمال المخرج السوري خلدون المالح (1938 - 2016) بأنها قد أسّست لبدايات الكوميديا السورية في التلفزيون والسينما، رغم إمكانياتها المتواضعة.

استطاعت ضحكات نجوم الشاشتين إخفاء خلافات وخصومات وصلت إلى القطيعة بين معظم الذين شاركوا في تلك المسلسلات والأفلام، لأسباب تتّصل بالمال أو الرؤية الفنية التي لم تكن بعيدةً عن إشكالية العلاقة مع السلطة.

في محاولة منه لتحسين الصورة وشروطها الفنية، أعاد المالح صناعة "مقالب غوّار" (1965) من بطولة الفنانين دريد لحام ونهاد قلعي، اللذين قدّما، منفردين، قبل لقائهما بالمخرج الدمشقي كوميديا تلفزيونية يمكن وصفُها بأنها مجرد بروفات لم تكن صالحةً للعرض.

أدى نجاح العمل إلى تكرار التجربة بمسلسل "صح النوم" (1972)، ومسرحية "ضيعة تشرين" (1974)، وفيلم "صح النوم" (1975)، ومسرحيتي "غربة" (1976)" و"كاسك يا وطن" (1979)، ومسلسلات "ملح وسكر" (1979) و"وين الغلط" (1979) و"وادي المسك" (1982)، وجميعها موقّعة باسمه.

ساهم المالح في تأسيس التلفزيون السوري عام 1960، وكان من ضمن اللجنة التي قرّرت تعيين نهاد قلعي موظّفاً فيه. وفي الفترة نفسها قدّم، المخرج القادم حديثاً من إيطاليا حيث نال دبلوم الإخراج، برنامج تلفزيونياً بعنوان "الإجازة السعيدة" برز من خلاله عددٌ من الوجوه القادمة من المسرح الجامعي ومن بينهم دريد لحّام، ليقرّر لاحقاً جمع الفنانَيْن في عملٍ واحد.

لم تحظ تجربة الثلاثي بدعم رسمي، في بداياتها، إذ أنتج التلفزيونان اللبناني والأردني الأعمال الأولى لهما، حتى لاقت رواجاً سورياً وعربياً، وانطلقت بعدها الرحلة في المسرح مع نصوص محمد الماغوط، الذي تبرّأ من بعضها لاحقاً، واتهم لحّام أنه قدّمها من دون الرجوع إليه، وأنها لم تُكتب أساساً على الورق. ومع ذلك ستبقى هذه المسرحيات، وفي مقدّمتها "غربة"، محفوظة في الذاكرة؛ حيث تشكّل "الفرجة" الأولى لانتقاد الأنظمة الثورية التي جاءت بها انقلابات عسكرية في أكثر من بلدٍ عربي.

مسيرة المالح لم تكتمل بعد انفراط عقد فريقه بداية الثمانينيات، وذهاب كل منهم في طريق، من دون أن تظهر الوقائع الكاملة لاختلافاتهم، وإن رشح بعضها في الإعلام. غير أن المخرج قطع صمته الذي دام 18 عاماً ليقدّم مسلسل "الجمل" عام 1999، لكنه لم يحظ بالانتشار والاهتمام.

في منتصف العقد الماضي، عاد المالح إلى أحاديث الصحافة مع افتتاح معرضه الفني في دمشق، واستأنف علاقته الممتدّة مع التشكيل منذ أكثر من ثلاثين عاماً باحثاً عن الجمال، على حد تعبيره حينها.

مسيرة طويلة استمرت أكثر من خمسين عاماً، لم ينتج فيها إلاّ القليل من الأعمال السينمائية والتلفزيونية والمسرحية، خصوصاً في بداياتها، حتى رحل بهدوء، أمس، في مدينة لوس أنجلوس الأمريكية، موصياً أن يُدفن في مسقط رأسه؛ دمشق.

نعاه السوريون على اختلاف توجّهاتهم السياسية، ليس لأنهم متّفقون حول إنجازه، بالضرورة، بل ربما لأن خلدون المالح، الصامت منذ أمد، ذكّرهم بالزمن الجميل.

المساهمون