خطأ "الإخوان" في الثورة المصرية

09 ابريل 2015

تظاهرة للإخوان المسلمين ضد اعتقال مرسي (9 سبتمبر/2014/أ.ف.ب)

+ الخط -

كثر الحديث عن خطأ جماعة الإخوان المسلمين الاستراتيجي بالدفع بمرشح رئاسي، وتصدّر مشهد الثورة، في مصر. وهذا يدفعنا إلى الدخول في منطقة شائكة، عن منهج "الإخوان" الإصلاحي، المحدد المراحل والمتدرج، وفقاً لرسائل مؤسس الجماعة، حسن البنا، من تكوين الفرد ثم الأسرة، فالمجتمع الذي يعتنق الفكرة الإسلامية بشمولها، كما يراها "الإخوان"، فالحكومة التي تساعد على تطبيقها، فالدولة، وصولاً إلى الخلافة، هل كان يسمح بالاشتراك في الثورة المصرية بهذه القوة التي رأيناها في 18 يوما؟ وإذا سمح بهدف مقاومة الظلم والطغيان، وإعلاءً لمبدأ حق الإنسان في الحرية والكرامة، فهل كان من الصواب تصدر المشهد؟ أم أن هذا هو الخطأ الاستراتيجي القاتل؟ أم أنه فرض عليهم، وفقاً لقاعدة (النقلة الإجبارية) على رقعة الشطرنج؟ ثم السؤال الأهم: ما هو تأثير الربيع العربي، وما تبعه من انقلابات وثورات مضادة على حركات الإسلام السياسي، خصوصاً الحركة الأم في مصر؟ وهل أضعف الحركة؟

بداية، لا بد من تقرير حقيقة أن مناقشة أي قرار تم اتخاذه في أي مؤسسة، لا بد أن يراعي الحالة التي تم اتخاذ القرار فيها، والعوامل المحيطة بمتخذ القرار، والغموض الذي ينكشف، تباعاً، بمرور الزمن.

يرى الكاتب، وقد يكون مخطئاً، أن اشتراك "الإخوان" في ثورة يناير لم يكن قراراً صائباً، نظراً لأنها نوع من حرق المراحل التي حددوها في مناهجهم، واستعجال للثمرة، في ظل مجتمع تشغله توفير المتطلبات الأساسية للحياة عن المطالبة بحريته وتقديم التضحيات في سبيل ذلك، خصوصاً أن الشباب الداعي إلى يوم 25 يناير لم تكن من أحلامه إسقاط النظام، فضلاً أن تكون من مطالبه، وتلخصت كل الأمنيات والمطالبات في الحرية والكرامة الإنسانية التي انتُهكت بمقتل خالد سعيد وسيد بلال، تحت تعذيب الشرطة. وأعطى نزول شباب "الإخوان" واشتراكهم رسمياً في المظاهرات، يوم 28 من الشهر نفسه، زخماً، وساهم في رفع سقف التطلعات، خصوصاً بعد سقوط شهداء في ذلك اليوم، ليصبح إسقاط النظام المطلب الوحيد، فتلقفه المجلس العسكري، ليتخلص من مشروع التوريث الذي كان مصدر قلق لقادة العسكر.

وإن كان اشتراك "الإخوان" في الثورة نقلة اختيارية على رقعة الشطرنج، فإن الدفع بمرشح للرئاسة كان نقلة إجبارية، في وقت لاح في الأفق حل البرلمان، وتمسك العسكر بالنائب العام الذي اشتهر بحماية قتلة الثوار، وتلفيق التهم لمعارضي نظام مبارك، وعدم موافقة عدة شخصيات مستقلة على التحالف مع "الإخوان"، والترشح لمواجهة مرشحي الدولة العميقة، والمدعومين من المجلس العسكري الحاكم، ما كان ينذر بما حدث بعد انقلاب يوليو/تموز 2013 من إقصاء وانتقام من كل من شارك في هذه الثورة، ولكن بصورة قانونية وقضائية، وإن كانت معوجة، إلا أنها لن تكون مستهجنة، مثل ما يحدث الآن من عدم استقرار لنظام العسكر، في ظل انقلابٍ مكتمل الأركان، حيازته البلاد غير هادئة، ولا مستقرة.

وباستقراء تأثير الثورة المضادة والانقلاب على الشرعية، وما تلاه من قهر واضطهاد على حركات الإسلام السياسي، وفي القلب منها جماعة الإخوان المسلمين في مصر، نجد أن الحركة تمر بحالة غير مسبوقة من التنكيل والقتل والاضطهاد والإقصاء، وتجاوز الخطوط الحمراء في التعامل مع الفتيات، واعتقالهن وتعذيبهن، وأحكام الإعدام التي فاقت ما حدث في الخمسينيات على يد جمال عبدالناصر. إلا أن تغير منهج الجماعة في مواجهة انقلاب 2013 ومقاومته، اختلف جذرياً عن الاستسلام لانقلاب 1954، كان له أثر كبير في تحقيق نجاحات على مستوى المقاومة في الشارع المصري، وكذلك على مستوى الجماعة التي توعد قائد الانقلاب بإفنائها، وعمل، بكل ما يملك، على ذلك، معتبراً أن غير ذلك هو من قبيل المواءمات السياسية التي لا يعرفها.

ووفقاً لنظرية نشوء الحضارات لأرنولد توينبي، فإن الاستجابات الناجحة للتحديات الكبيرة تتولد عنها نهضة وحضارة. وقد يكون عدم استسلام الجماعة والركون إلى العسكر والقبول بفتات الحرية، ميلادا لنهضة جديدة في مصر. وبالعودة إلى التأثير الإيجابي على الحركات الإسلامية، يمكن تناولها بإيجاز في تطور منهج "الإخوان" من المنهج الإصلاحي إلى الثوري المقاوم، وتطور منهج بعض التيارات السلفية، والتي اشتركت في تحالف دعم الشرعية، لتمارس عملاً سياسياً ثورياً، كانت ترفضه قديماً، ثم ظهور جيل الشباب الذي يقود المرحلة، بعد الاختفاء القسري لقيادات الصف الأول والقيادات الوسطى في الجماعة، سواء بالاعتقال أو المطاردة أو القتل، وتنامي دور المرأة داخل الحركة الإسلامية، وتضحيتها بالنفس، وظهور نماذج ثورية مجاهدة، مثل سناء عبدالجواد وفتيات الإسكندرية وفتيات الأزهر اللاتي قال لهن أحد القضاة (أنتن أمهات حكام مصر القادمين). نعم، إن الضربات التي تم توجيهها لحركات الإسلام السياسي قوية وموجعة، إلا أنها أفرزت جيلاً يقوى على قيادة نهضة جديدة للمجتمع.